الْفِطْرِ بَعْدَ تَحَقُّقِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَإِلَّا وَجَبَ الْإِمْسَاكُ، وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ السُّنَّةُ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ الطَّرِيقَةُ فَلَا مُنَافَاةَ وَتَعْيِينُ الْحُكْمِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ، وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَسٍ «كَانَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رُطَبَاتٍ فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمَرَاتٍ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ التَّمْرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْحَلَاوَاتِ؛ لِأَنَّهُ يَرُدُّ لِلْبَصَرِ مَا زَاغَ مِنْهُ بِالصَّوْمِ كَمَا حَدَّثَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ؛ لِأَنَّهُ طَهُورٌ قَالَ الدَّمِيرِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ تَمَرَاتٍ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ اُسْتُحِبَّ فِطْرُهُ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ لِبَرَكَتِهِ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ فَحَسَنٌ.

(ص) وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ (ش) أَيْ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَقَدْ «كَانَ الْمُصْطَفَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُؤَخِّرُ بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَ فَرَاغِهِ مِنْ السُّحُورِ وَالْفَجْرِ مِقْدَارُ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ خَمْسِينَ آيَةً» كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ

. (ص) وَصَوْمٌ بِسَفَرٍ (ش) أَيْ: وَنُدِبَ لِلشَّخْصِ الْمُسَافِرِ أَنْ يَصُومَ فِي سَفَرِهِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ وَسَيَأْتِي شُرُوطُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] أَيْ: وَيُكْرَهُ الْفِطْرُ، وَأَمَّا قَصْرُ الصَّلَاةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ إتْمَامِهَا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِالْقَصْرِ وَلِسُهُولَةِ الصَّوْمِ مَعَ النَّاسِ غَالِبًا، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ عَلِمَ دُخُولَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ) إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الصَّوْمُ لِلْمُسَافِرِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ بَيْتَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَإِنَّمَا بَالَغَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ لِكَوْنِهِ دَخَلَ وَطَنَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُ فَدَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ

. (ص) وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ إنْ لَمْ يَحُجَّ وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ (ش) يُرِيدُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مُسْتَحَبٌّ فِي حَقِّ غَيْرِ الْحَاجِّ، وَأَمَّا هُوَ فَيُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ وَقَدْ «أَفْطَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَجِّ» وَأَنَّ صِيَامَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ مُسْتَحَبٌّ، وَاخْتُلِفَ فِي صِيَامِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْعَشْرِ الْمَذْكُورِ هَلْ يَعْدِلُ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ سَنَةً؟ وَهَذَا مَا عَدَا الثَّامِنَ وَالتَّاسِعَ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَيَعْدِلُ سَنَةً، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَعْدِلُ سَنَتَيْنِ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ: وَعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ بَابِ تَغْلِيبِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ إذْ الْمُرَادُ بِالْعَشْرِ: التِّسْعَةُ الْأَيَّامِ مِنْ أَوَّلِهِ، وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQتَمَرَاتٍ، أَوْ زَبِيبَاتٍ، أَوْ حَسَيَاتٍ مِنْ الْمَاءِ، وَالْحَدِيثُ عَلَى الْعِشَاءِ (قَوْلُهُ: فَلَا مُنَافَاةَ) أَيْ:؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَةَ تَشْمَلُ الْمُسْتَحَبَّ (قَوْلُهُ: وَتَعْيِينُ الْحُكْمِ) أَيْ: الْحُكْمِ الظَّاهِرِيِّ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ مُقَابَلَةُ الْمَنْدُوبِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ.

(تَنْبِيهٌ) : يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْفِطْرِ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ كَالْيَهُودِ الْمُؤَخِّرِينَ وَقْتَ فِطْرِهِمْ عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ، وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَهُ لِأَمْرٍ عَرَضَ، أَوْ اخْتِيَارًا مَعَ اعْتِقَادِ كَمَالِ صَوْمِهِ فَلَا يُكْرَهُ كَذَا قَالُوا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ فَقَطْ فَلَا يُنَافِي فِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ) يُطْلَقُ الْمَذْهَبُ وَيُرَادُ بِهِ الرَّاجِحُ وَهُوَ الْمُرَادُ، وَمُقَابِلُهُ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ وَنَصَّ عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ وَقَرَّرَ الْجُزُولِيُّ كَلَامَ الرِّسَالَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرَ السُّحُورِ سُنَّتَانِ وَمِثْلُهُ لِلْقَبَّابِ (قَوْلُهُ: «عَلَى رُطَبَاتٍ» ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ جَمْعُ رُطَبَةٍ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: «فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمَرَاتٍ» إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ بَعْدَ التَّمْرِ مِنْ الْحُلْوِ وَإِلَّا اسْتَعْمَلَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ التَّمْرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالْمُنَاسِبُ لِتَقْدِيمِ الرُّطَبِ أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الرُّطَبُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ: «حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» ) فِي الْمِصْبَاحِ الْحُسْوَةُ بِالضَّمِّ مِلْءُ الْفَمِ مِمَّا يُحْسَى وَالْجَمْعُ حُسًا وَحَسَوَاتٌ مِثْلُ مُدْيَةٍ وَمُدًى وَمَدَيَاتٌ، وَالْحَسْوَةُ بِالْفَتْحِ قِيلَ: لُغَةٌ، وَقِيلَ: مَصْدَرٌ اهـ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُهُ حَسَوَاتٍ يَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِضَمِّهَا، وَالْمَسْمُوعُ الْفَتْحُ، وَلْتُحَرِّرْ الرِّوَايَةَ (قَوْلُهُ: مَا زَاغَ مِنْهُ بِالصَّوْمِ) أَيْ: مَا كَلَّ وَضَعُفَ مِنْهُ بِسَبَبِ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثِ تَمَرَاتٍ) فِي شَرْحِ عب وَلَعَلَّ الرُّطَبَ كَذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ عِنْدَنَا خِلَافُهُ فِي عِلْمِي.

(أَقُولُ) : قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِهِ النَّدْبُ، وَالظَّاهِرُ الْحُصُولُ بِالْأَقَلِّ وَالْأَوْلَى الثَّلَاثُ، وَكَلَامُ عب رُبَّمَا يُفِيدُهُ (قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا وَلَكِنَّ الْجَمْعَ أَحْسَنُ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَلَمْ يَظْهَرْ (قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ) هُوَ بِالْفَتْحِ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ وَبِالضَّمِّ الْفِعْلُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا بِدَلِيلِ قَرْنِهِ بِالْفِطْرِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ وَهُوَ الْأَكْلُ وَقْتَ السَّحَرِ وَيَدْخُلُ وَقْتُ السُّحُورِ بِنِصْفِ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَكُلَّمَا تَأَخَّرَ كَانَ أَفْضَلَ، وَأَشْعَرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِنَدْبِ أَصْلِ السُّحُورِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي خَبَرِ «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةِ مَاءٍ» قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كَمَا أَنَّ السُّنَّةَ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ كَذَلِكَ السُّنَّةُ تَقْدِيمُ الْإِمْسَاكِ إذَا قَرُبَ الْفَجْرُ عَنْ مَحْظُورَاتِ الصِّيَامِ (قَوْلُهُ: خَمْسِينَ آيَةً) اُنْظُرْ فَإِنَّ الْآيَاتِ فِيهَا الْقَصِيرُ وَفِيهَا الطَّوِيلُ وَلَكِنَّ الْقَصْدَ التَّقْرِيبُ

(قَوْلُهُ: لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِالْقَصْرِ) أَيْ: وَلَمْ تَبْرَأْ الذِّمَّةُ بِالْفِطْرِ وَهَذَا فَرْقٌ وَقَوْلُهُ: وَلِسُهُولَةِ إلَخْ فَرْقٌ آخَرُ وَصُعُوبَةِ الْإِتْمَامِ فِي السَّفَرِ وَفَرْقٌ آخَرُ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الصَّوْمِ {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وَجَاءَتْ السُّنَّةُ بِالْقَصْرِ

(قَوْلُهُ: وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ) وَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَكُرِهَ لِحَاجٍّ صَوْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْفِطْرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَنُدِبَ صَوْمُ غَيْرِ عَرَفَةَ وَالتَّرْوِيَةِ وَلَوْ لِحَاجٍّ (قَوْلُهُ: هَلْ يَعْدِلُ شَهْرًا) وَهُوَ لِلشَّارِحِ بَهْرَامَ.

(قَوْلُهُ: أَوْ شَهْرَيْنِ) وَهُوَ لِلْحَطَّابِ (قَوْلُهُ: أَوْ سَنَةً) أَيْ: كَمَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي فَيَعْدِلُ سَنَتَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ مَعْنَاهُ إنْ وَجَدَ شَيْئًا فِي الَّتِي بَعْدَهُ يُكَفِّرُهُ وَإِلَّا حَصَلَ الثَّوَابُ.

وَقَالَ فِي ك: ظَاهِرُهُ حُصُولُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الثَّوَابِ وَلَوْ صَامَ مَا ذُكِرَ قَضَاءً لَكِنْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ يَعْنِي: تَطَوُّعًا، وَأَمَّا قَضَاءً فَلَا لِفَوَاتِ الْمَنْدُوبِ وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْوَاجِبَ (قَوْلُهُ: مِنْ تَغْلِيبِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ) الْمُنَاسِبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015