(ش) يَعْنِي: أَنَّ الْمُكَلَّفَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الْإِفْطَارِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ لِأَجْلِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْأَمْرَ فِيهِ بِارْتِفَاعِ النَّهَارِ وَخَبَرِ الْمُسَافِرِينَ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ فَقَوْلُهُ: إمْسَاكُهُ أَيْ: يَوْمَ الشَّكِّ أَيْ: إمْسَاكُ أَوَّلِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: لِيَتَحَقَّقَ فَإِنَّ التَّحَقُّقَ يَحْصُلُ بِالْبَعْضِ.

(ص) لَا لِتَزْكِيَةِ شَاهِدَيْنِ (ش) يَعْنِي: لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَاحْتَاجَ الْأَمْرُ فِيهِمَا إلَى التَّزْكِيَةِ لَهُمَا وَفِي ذَلِكَ تَأْخِيرٌ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ حِينَئِذٍ أَيْ: إمْسَاكٌ زَائِدٌ عَلَى مَا يَتَحَقَّقُ الْأَمْرُ فِيهِ، فَلَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ الْإِمْسَاكِ فِيهِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى لَا لِأَجْلِ تَزْكِيَةِ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي نَهَارًا بِرُؤْيَتِهِ وَاحْتَاجَ إلَى الْكَشْفِ عَنْهُمَا، وَذَلِكَ يَتَأَخَّرُ فَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ صِيَامٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنْ زُكِّيَا بَعْدَ ذَلِكَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي الْفِطْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِيمَا صَامُوا وَمِنْ تَقْدِيرِ اللَّامِ لِلتَّعْلِيلِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يُفْهَمُ التَّقْيِيدُ بِأَنَّ فِي التَّزْكِيَةِ تَأْخِيرًا وَزِيَادَةً عَلَى الْإِمْسَاكِ السَّابِقِ لِلتَّحَقُّقِ أَيْ: لَا يُسْتَحَبُّ إمْسَاكٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ لِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ، فَلَمْ يُهْمِلْ الْمُؤَلِّفُ ذَلِكَ الْقَيْدَ كَمَا قِيلَ.

(ص) أَوْ زَوَالِ عُذْرٍ مُبَاحٌ لَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ (ش) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: تَزْكِيَةِ أَيْ: لَا يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ لِتَزْكِيَةِ شَاهِدَيْنِ وَلَا لِزَوَالِ عُذْرٍ إذَا كَانَ عُذْرًا يُبَاحُ مَعَهُ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ: كَالْحَيْضِ يَزُولُ فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ، أَوْ السَّفَرِ، أَوْ الصِّبَا، وَيُبَاحُ لَهُمْ التَّمَادِي عَلَى الْفِطْرِ وَقَوْلُهُ: (كَمُضْطَرٍّ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَشْبِيهًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا لِلْعُذْرِ الْمُتَقَدِّمِ أَيْ: كَمُضْطَرٍّ لِجُوعٍ أَوْ لِعَطَشٍ زَالَ بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ: وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ طَهُرَا، وَمُرْضِعٍ مَاتَ وَلَدُهَا، وَمَرِيضٍ قَوِيَ، وَصَبِيٍّ بَلَغَ، وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَا فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَتَمَادَوْنَ عَلَى الْفِطْرِ، وَلَوْ بِالْجِمَاعِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ عَمَّنْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ لَا مَعَ الْعِلْمِ بِهِ كَالْأَكْلِ نَاسِيًا يَتَذَكَّرُ، أَوْ فِي يَوْمِ شَكٍّ ثُمَّ يَثْبُتُ فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ، وَفِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أُمُورٌ اُنْظُرْهَا فِي شَرْحِنَا الْكَبِيرِ.

(ص) فَلِقَادِمٍ وَطْءُ زَوْجَةٍ طَهُرَتْ (ش) هَذَا مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ جَوَازِ التَّمَادِي عَلَى الْفِطْرِ أَيْ: فَبِسَبَبِ ذَلِكَ يُبَاحُ لِمَنْ قَدِمَ نَهَارًا مِنْ سَفَرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ وَقَدْ بَيَّتَهُ فِيهِ؛ وَطْءُ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَاغْتَسَلَتْ، أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ تُبَيِّتْ الصَّوْمَ، أَوْ مَجْنُونَةً، أَوْ قَادِمَةً مِثْلَهُ، أَوْ كِتَابِيَّةً وَلَوْ غَيْرَ مَعْذُورَةٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ صَائِمَةٍ قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ

. (ص) وَكَفُّ لِسَانٍ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَنُدِبَ إمْسَاكُهُ لِيَتَحَقَّقَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّائِمَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَكُفَّ لِسَانَهُ عَنْ الْإِكْثَارِ مِنْ الْكَلَامِ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا عَنْ الْغِيبَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فَوَاجِبٌ فِي غَيْرِ الصَّوْمِ وَيَتَأَكَّدُ فِي الصَّوْمِ وَلَا يُبْطِلُهُ، وَالْأَظْهَرُ حَمْلُ كَلَامِ الرِّسَالَةِ، وَيَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ الْكَذِبِ إلَخْ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا حَمَلَهُ ابْنُ نَاجِي، وَحَمَلَهُ عَلَى النَّدْبِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ غَيْرُ ظَاهِرٍ

. (ص) وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ (ش) أَيْ: يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: لِأَجْلِ أَنْ يَتَحَقَّقَ) أَفَادَ أَنَّ اللَّامَ فِي لِيَتَحَقَّقَ لِلتَّعْلِيلِ وَهُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ: يَثْبُتَ مِنْ حَقٍّ ثَبَتَ، وَبِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ: يُتَصَوَّرُ أَيْ: يُدْرَكُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْغَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَ أَمْرَهُ (قَوْلُهُ: شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي نَهَارًا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي لَيْلًا وَتَزْكِيَتُهُمَا تَتَأَخَّرُ إلَى النَّهَارِ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، بَلْ يُبَيِّتُ الصَّوْمَ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ الْعُمُومُ الْمُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُبَيِّتُ الصَّوْمَ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ إمْسَاكٌ زَائِدٌ إلَخْ) فِي ك لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بَلْ يُسْتَحَبُّ الْإِمْسَاكُ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَيَتَأَكَّدُ لِأَجْلِ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْأَمْرُ فِيهِ دُونَ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَثَّرَتْ فِيهِ رِيبَةً فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَزْكِيَةِ) لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ فِي الشَّكِّ؛ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِيَتَحَقَّقَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَمُضْطَرٍّ إلَخْ) فِي ك وُجِدَ عِنْدِي مَا نَصُّهُ وَيَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَتَعَاطَى أَوَّلًا مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ الْفِطْرُ لِأَجْلِهِ كَمُضْطَرٍّ لِشُرْبٍ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ، أَوْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ لَكِنْ قَالَ الْمَوَّاقُ: إنَّهُ إذَا بَدَأَ بِغَيْرِ مَا هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: تَشْبِيهًا إلَخْ) مِنْ تَشْبِيهِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ بِمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ فَرْدًا مُغَايِرًا لِلْعَامِّ (قَوْلُهُ: وَصَبِيٍّ بَلَغَ) أَيْ: بَيَّتَ الْفِطْرَ أَوْ الصَّوْمَ وَأَفْطَرَ عَمْدًا قَبْلَ بُلُوغِهِ، أَوْ لَمْ يَنْوِ صَوْمًا وَلَا فِطْرًا، وَأَمَّا لَوْ بَيَّتَ الصَّوْمَ وَاسْتَمَرَّ صَائِمًا حَتَّى بَلَغَ، أَوْ أَفْطَرَ نَاسِيًا قَبْلَ بُلُوغِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ الْإِمْسَاكُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي هَاتَيْنِ كَالصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ (قَوْلُهُ: وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ إلَخْ) هَذَانِ يَرِدَانِ عَلَى مَفْهُومِهِ وَيَرِدُ عَلَى مَنْطُوقِهِ الْمُكْرَهُ فَإِنَّ مَنْ أَفْطَرَ لِإِكْرَاهٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ مَعَ زَوَالِ عُذْرِهِ مَعَ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِيهِ الْفِطْرُ مَعَ الْعِلْمِ بِرَمَضَانَ، وَأَمَّا الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ فَيُنْدَبُ لَهُ الْإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُكْرَهَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَفِعْلُهُ لَا يَتَّصِفُ بِإِبَاحَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَكَذَا فِعْلُ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ وَفِي شب التَّصْرِيحُ بِأَنَّ فِعْلَ الصَّبِيِّ لَا يَتَّصِفُ بِالْإِبَاحَةِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ تُبَيِّتْ الصَّوْمَ) أَيْ: أَوْ بَيَّتَتْ وَأَفْطَرَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ فِي شَرْحِ عب وَانْظُرْ لَوْ بَيَّتَتْهُ هَلْ لَهُ إبْطَالُهُ نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ بَعْضِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَيْرَ مَعْذُورَةٍ) أَيْ: هَذَا إذَا كَانَتْ مَعْذُورَةً بِأَنْ حَاضَتْ ثُمَّ طَهُرَتْ، بَلْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ صَائِمَةٍ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ صَائِمَةً لَا يُبَاحُ لَهُ مُجَامَعَتُهَا وَفِي شَرْحِ شب وَلَوْ صَائِمَةً فِي دِينِهَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بِأَنْ كَانَتْ مُتَلَبِّسَةً بِالصَّوْمِ الْمَطْلُوبِ فِي دِينِهِمْ اهـ.

وَلَا يُعَارِضُ هَذَا عَدَمَ مَنْعِهِ لَهَا مِنْ كَنِيسَةٍ، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَطْءِ مَظِنَّةُ الضَّرَرِ، ثُمَّ وَجَدْت الْحَطَّابَ ذَكَرَ فِي آخِرِ الْبَابِ مَا يُوَافِقُ شَارِحَنَا نَاقِلًا لَهُ عَنْ أَصْبَغَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ: وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ) قَالَ مَالِكٌ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، وَفِي الْحَدِيثِ بَعْدَهَا وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ كَلَامِ مَالِكٍ عَلَى الْفِطْرِ الْخَفِيفِ كَثَلَاثِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015