فِي الْمُدَوَّنَةِ بِالْأَوَّلِ فَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُورُ تَخْرِيصُ غَيْرِهِمَا عَلَى إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا اعْتَبَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ شِدَّةَ الْحَاجَةِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَزْمَانِ، وَالزَّيْتُونُ وَنَحْوُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَفِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الزَّيْتُونَ وَالْحَبَّ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا إذْ ذَاكَ فَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْحَزْرُ فِيهِمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمَا. اهـ.
(ص) إذَا حَلَّ بَيْعُهُمَا وَاخْتَلَفَ حَاجَةُ أَهْلِهِمَا (ش) هَذَا بَيَانُ وَقْتِ الْخَرْصِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَيُخْرَصُ الْكَرْمُ عِنَبًا إذَا طَابَ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَالنَّخْلُ إذَا زَهَتْ وَطَابَتْ وَحَلَّ بَيْعُهَا أَيْ؛ لِأَنَّ حِلِّيَّةَ الْبَيْعِ عِنْدَهَا يَحْصُلُ جُلُّ مَنْفَعَةِ أَرْبَابِ الشَّيْءِ الْمُخَرَّصِ مِنْ أُكُلٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ لَا قَبْلُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ عِلَّةَ التَّخْرِيصِ اخْتِلَافُ الْحَاجَةِ فَمِنْهُمْ مُرِيدُ الْبَيْعِ وَمُرِيدُ الْأُكُلِ وَمُرِيدُ التَّيْبِيسِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا لَا يُخْرَصُ إلَّا التَّمْرُ وَالْعِنَبُ لِلْحَاجَةِ إلَى أَكْلِهِمَا رَطْبَيْنِ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَيَرُدُّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ هُنَا شَرْطًا مَعَ كَوْنِهِ عِلَّةً وَالْأَقْرَبُ نَصْبُ قَوْلِهِ (نَخْلَةً نَخْلَةً) عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِ مُفَصَّلًا مِثْلُ بَابًا بَابًا أَيْ لَا يَجْمَعُ الْخَارِصُ الْحَائِطَ فِي الْحَزْرِ وَلَا يُجْزِيهِ، بَلْ يَحْزِرُ كُلَّ نَخْلَةٍ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ أَقْرَبُ إلَى الْخَطَأِ وَأَمَّا أَكْثَرُ مِنْ نَخْلَةٍ فَإِنْ اتَّحَدَتْ فِي الْجَفَافِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ. (ص) بِإِسْقَاطِ نَقْصِهَا لَا سَقَطِهَا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْخَارِصَ يُسْقِطُ بِاجْتِهَادِهِ مَا يُعْلَمُ عَادَةً أَنَّهُ إذَا جَفَّ التَّمْرُ أَوْ الزَّبِيبُ يَنْقُصُ مِنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ نَخْلَةٍ يَقُولُ مَثَلًا: قَدْرُ مَا عَلَى هَذِهِ كَذَا وَإِذَا جَفَّ يَنْقُصُ كَذَا فَيَعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ: إنْ كَانَ عَدْلًا وَأَمَّا مَا يَرْمِيهِ الْهَوَاءُ أَوْ يَأْكُلُهُ الطَّيْرُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ لِأَجْلِهِ شَيْئًا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ وَهَذَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: لَا سَقَطِهَا وَإِذَا لَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ هَذَا فَالْعَرِيَّةُ وَالصِّلَةُ وَالْأُكُلُ وَالْعَلَفُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى فِي عَدَمِ الْإِسْقَاطِ وَسَقَطِهَا بِفَتْحِ الْقَافِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَبِسُكُونِهَا وَيَكُونُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ.
(ص) وَكَفَى الْوَاحِدُ (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يَكْفِي خَارِصٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَ عَدْلًا عَارِفًا لِأَنَّهُ حَاكِمٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا «وَكَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَحْدَهُ خَارِصًا إلَى خَيْبَرَ» بِخِلَافِ حُكْمَيْ الصَّيْدِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعَدُّدِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا يُخَرَّجَانِ عَنْ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَشْبَهَا الْمُقَوِّمِينَ، وَالتَّقْوِيمُ لَا يَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ وَلِنَصِّ الْآيَةِ
. (ص) وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَالْأَعْرَفُ (ش) يَعْنِي إذَا خَرَصَ ثَلَاثَةٌ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ فَإِنْ اتَّفَقُوا فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَحَدُهُمْ مَثَلًا سِتَّةٌ وَآخَرُ ثَمَانِيَةٌ وَآخَرُ عَشَرَةٌ أُخِذَ بِقَوْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَ) أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ الْبِنَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ قَالَ إذَا عَلَّلْنَا بِالْحَاجَةِ يُخْرَصُ غَيْرُهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَشْهُورًا لِأَنَّ الْمَشْهُورَ بِهِ صِفَةٌ زَائِدَةٌ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ كَأَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ قَالَهُ الْأَكْثَرُ، أَوْ مَا قَوِيَ دَلِيلُهُ أَوْ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّارِحِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَرِوَايَتُهُ أَوْلَى وَنُعَمِّمُ فِي رِوَايَتِهِ أَيْ نَصًّا، أَوْ قِيَاسًا ثُمَّ إذَا عَلِمْت هَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ تَخْرِيصِ الشَّعِيرِ زَمَنَ الْمَسْغَبَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّمَا اعْتَبَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ. . . إلَخْ) أَيْ فَلَمْ يُعْتَبَرْ مُطْلَقُ الْحَاجَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ قَالَتْ لِلْحَاجَةِ إلَى أَكْلِهِمَا رَطْبَيْنِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْحَاجَةَ الْمَنُوطَةَ بِالْعِنَبِ وَالتَّمْرِ لَا تَكُونُ إلَّا شَدِيدَةً، أَوْ أَنَّ أَلْ لِلْكَمَالِ عَلَى أَنَّهُ نَصَّ فِي التَّوْضِيحِ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ التَّخْرِيصِ فِيهِمَا التَّوَسُّعَةُ عَلَى أَهْلِهِمَا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْمُوَطَّأِ أَيْ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى أَكْلِهِمَا رَطْبَيْنِ. اهـ. فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ التَّوَسُّعَةُ وَالْحَاجَةُ عِلَّةٌ لِلتَّوَسُّعَةِ وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ الْعِلَّةُ التَّوَسُّعَةُ عَلَى أَهْلِهِمَا وَاخْتُصَّتْ التَّوَسُّعَةُ بِهِمَا دُونَ الْحُبُوبِ لِأَنَّ شَأْنَهُمَا أَنْ يُؤْكَلَا وَيُبَاعَا قَبْلَ كَمَالِ الطِّيبِ بِخِلَافِ الْحُبُوبِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا كَمَالَ الِانْتِفَاعِ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ الطِّيبِ (قَوْلُهُ: وَفِي التَّعْلِيلِ الثَّانِي نَظَرٌ) أَيْ وَفِي الْبِنَاءِ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي نَظَرٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الزَّيْتُونَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ بَنَى عَلَى كَوْنِ الْعِلَّةِ تَيَسَّرَ الْحَزْرُ أَيْ إمْكَانُهُ أَنَّهُ لَا يُخْرَصُ غَيْرُهُمَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ كَوْنُهُ لَا يُمْكِنُ تَخْرِيصُ غَيْرِهِمَا وَحَاصِلُ النَّظَرِ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ وَالْحَبِّ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ حَزْرُهُمَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَزْرُ لَهُمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمَا وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَكَذَا الْمُقَدَّمُ وَحَيْثُ يُمْكِنُ حَزْرُ غَيْرِهِمَا فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ يَنْبَنِي عَلَى الثَّانِي عَدَمُ تَخْرِيصِ غَيْرِهِمَا.
(قَوْلُهُ وَطَابَتْ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ. (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ الْحَاجَةُ عَلَى أَنَّهُ اعْتَرَضَ التَّعْلِيلَ بِاخْتِلَافِ الْحَاجَةِ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ فِي الْبَيْعِ وَأَمَّا هُنَا فَالْعِلَّةُ الْحَاجَةُ كَمَا فِي نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ اهـ. فَالْمُتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ وَاحْتَاجَ أَهْلُهُمَا أَوْ لِاحْتِيَاجِ أَهْلِهِمَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمَلْزُومَ وَهُوَ الِاخْتِلَافُ وَأَرَادَ لَازِمَهُ وَهُوَ الْوُجُودُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَافِ الْوُجُودُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لِوُجُودِ حَاجَةِ أَهْلِهِمَا عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْحَاجَةِ بِالْفِعْلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الْمُرَادُ الْمَظِنَّةُ أَفَادَهُ مُحَشِّي تت. (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ فَيُرَدُّ. . . إلَخْ) وَأُجِيبَ بِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّرْطِ عَلَيْهِمَا لِاعْتِبَارِ تَوَقُّفِ الْمَعْلُولِ عَلَى عِلَّتِهِ كَتَوَقُّفِ الْمَشْرُوطِ عَلَى شَرْطِهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ. . . إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هُنَاكَ غَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقِيلَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ مِنْ مَحَلِّ التَّمْرِ وَقِيلَ بِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَيَكُونُ التَّخْرِيصُ وَإِنَّمَا كَانَ أَقْرَبَ لِإِفَادَتِهِ التَّفْصِيلَ الْمَلْحُوظَ فِي الْمَقَامِ. (قَوْلُهُ بَلْ يُحْزَرُ) وَكَذَا يُحْزَرُ شَجَرَةً شَجَرَةً فِي الْعِنَبِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اتَّحَدَتْ فِي الْجَفَافِ) أَيْ، وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْأَصْنَافُ. (قَوْلُهُ: وَالصِّلَةُ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ. (قَوْلُهُ إنْ كَانَ عَدْلًا عَارِفًا) فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسْلِمًا. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا يُخَرَّجَانِ عَنْ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ إلَخْ) مِنْ بِمَعْنَى إلَى وَيُخَرَّجَانِ مِنْ خَرَّجَ أَيْ يُخَرَّجَانِ فِي حُكْمِهِمَا عَنْ الشَّيْءِ إلَى غَيْرِ جِنْسِهِ