أَنَّهُ تَقْسِيمٌ لِلسَّاعَةِ السَّابِعَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ فِي السُّوقِ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ لِئَلَّا يَشْغَلَ مَنْ تَلْزَمُهُ أَوْ يَسْتَبِدَّ بِالْأَرْبَاحِ، ثُمَّ إنَّ اللَّامَ فِي لِوَقْتِهَا تَحْتَمِلُ التَّعْلِيلَ وَالظَّرْفِيَّةَ أَيْ لِأَجْلِ وَقْتِهَا، أَوْ عِنْدَهُ لَا قَبْلَ ذَلِكَ فَالْإِقَامَةُ مُسْتَحَبَّةٌ، وَأَمَّا قِيَامُ مَنْ تَلْزَمُهُ إذَا خَشَى فَوَاتَهَا فَهُوَ وَاجِبٌ وَالنَّفَلُ كَذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَعْلِ: إقَامَةٍ بِمَعْنَى قِيَامٍ، أَوْ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ مُنْصَبٌّ عَلَى مُطْلَقًا أَيْ عَلَى الْمَجْمُوعِ اهـ.
وَوَقْتُهَا هُوَ الْأَذَانُ الثَّانِي وَمِنْهَا سَلَامُ الْإِمَامِ عِنْدَ خُرُوجِهِ عَلَى النَّاسِ لِرُقِيِّ الْمِنْبَرِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ السَّلَامِ سُنَّةً وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ السَّلَامَ لِانْتِهَاءِ صُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَوْ كَانَ كَمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِعَدَمِ خَبَرِ صَحِيحٍ بِهِ فَالِاسْتِحْبَابُ مُتَعَلِّقٌ بِوُقُوعِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ لَا بِأَصْلِ فِعْلِهِ فَاللَّامُ فِي لِخُرُوجِهِ بِمَعْنَى عِنْدَ، وَمِنْهَا جُلُوسُ الْخَطِيبِ بِأَثَرِ صُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِفَرَاغِ الْأَذَانِ وَكَذَلِكَ جُلُوسُهُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لِلْفَصْلِ وَالِاسْتِرَاحَةِ مِنْ تَعَبِ الْقِيَامِ قَدْرَ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ابْنُ عَاتٍ قَدْرَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] لَكِنَّ النَّقْلَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ اتِّفَاقًا وَأَنَّ الْجُلُوسَ فِي أَوَّلِهِمَا سُنَّةٌ عَلَى الرَّاجِحِ وَمِنْهَا تَقْصِيرُ الْخُطْبَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يُخْرِجُهُمَا عَمَّا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ خُطْبَةً وَتَقْصِيرُ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى وَمِنْهَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْخُطْبَةِ وَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَكُونَ عَلَى مِنْبَرٍ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِسْمَاعِ وَمُرَادُهُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ زِيَادَةٌ عَلَى الْجَهْرِ؛ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ إسْرَارُهَا كَعَدَمِهَا وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَقَبْلَ الصَّلَاةِ، أَوْ فِي أَثْنَائِهَا أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ كَمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا حَصَلَ لَهُ الْعُذْرُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ قَالَ فِيهَا وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ وَكَذَا الْقَوْمُ إنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يَسْتَخْلِفُوا حَاضِرَهَا فَقَوْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى كِلَا الْمَذْهَبَيْنِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ حَمَلَ السَّاعَاتِ عَلَى سَاعَاتِ النَّهَارِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَالرَّوَاحَ عَلَى الْغُدُوِّ أَوَّلَ النَّهَارِ وَهُوَ مَجَازٌ، وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ الذَّهَابُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قُرْبَهُ وَالسَّاعَاتِ عَلَى أَجْزَاءِ السَّاعَةِ فَتَحَقَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي لَفْظِ السَّاعَاتِ وَتَجُوزُ فِي الرَّوَاحِ وَتَحَقَّقَ مَالِكٌ فِي الرَّوَاحِ وَتَجُوزُ فِي السَّاعَاتِ وَرَجَحَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9] . . . الْآيَةُ، وَالنِّدَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَبِالْعَمَلِ أَيْضًا وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ بَعْدَ الْكَبْشِ بَطَّةٌ ثُمَّ دَجَاجَةٌ ثُمَّ بَيْضَةٌ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ دَجَاجَةٌ ثُمَّ عُصْفُورٌ ثُمَّ بَيْضَةٌ وَإِسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ السَّاعَاتُ سِتًّا وَفِي النَّوَوِيِّ شَرْحِ مُسْلِمٍ مَا نَصُّهُ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تُعْتَبَرُ السَّاعَاتُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَذَا ذَكَرَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ قَائِلًا إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ السَّاعَاتِ عِنْدَهُمْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَطْ وَغَلِطَ مَنْ نَسَبَ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيَّةِ فَقَطْ كَالْقَرَافِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كِبَارِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَشْهُورٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ يَقَعَانِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِاتِّفَاقِهِمْ وَالْهَاءُ فِيهِمَا لِلْوِحْدَةِ كَقَمْحَةٍ وَشَعِيرَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَالدَّجَاجَةُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: الدَّجَاجَةُ بِتَثْلِيثِ الدَّالِ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ ثُمَّ الْكَسْرُ وَإِطْلَاقُهُمْ فِي التَّهْجِيرِ يَشْمَلُ الْإِمَامَ.
وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَةِ الْمُوَطَّأِ اسْتَنْبَطَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ» أَنَّ التَّبْكِيرَ لَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ قَالَ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مِنْ أَقْرَبِ أَبْوَابِهِ إلَى الْمِنْبَرِ وَالْمَاوَرْدِيُّ شَافِعِيٌّ فَلِذَا عَبَّرَ بِالتَّبْكِيرِ عَلَى مَذْهَبِهِ وَوِزَانُهُ عَلَى مَذْهَبِنَا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّهْجِيرُ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَضَرَتْ قَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ فَقَالَ {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} [النساء: 8] اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُطْلَبُ خُرُوجُهُ أَوَّلَ السَّابِعَةِ وَبِخُرُوجِهِ تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَزْمِنَةٍ مِنْ السَّابِعَةِ فِي غَايَةِ الصِّغَرِ يَأْبَاهُ الْحَدِيثُ وَالْقَوَاعِدُ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَةَ وَالْبَيْضَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا مِنْ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ وَتَحَمُّلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا يَقْتَضِي هَذَا التَّفْصِيلُ وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلْحَدِيثِ قَالَهُ الشَّيْخُ سَالِمٌ (قَوْلُهُ: أَوْ يَسْتَبِدُّ) أَيْ يَسْتَقِلُّ (قَوْلُهُ: فَالْإِقَامَةُ مُسْتَحَبَّةٌ) أَيْ كَوْنُهُ يُقِيمُ النَّاسَ أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يُقِيمَ رَجُلًا نَائِبًا عَنْهُ يُقِيمُ النَّاسَ مِنْ السُّوقِ وَقْتَهَا كَمَا فِي شب (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ السَّلَامِ. . . إلَخْ) أَيْ وَلَا يَجِبُ رَدُّهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَرْمُونِيُّ عَلَى نَقْلِ عج، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ شَافِعِيًّا يَقُولُ بِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُسَلِّمُ الْخَطِيبُ وَالْمُؤَذِّنُ الَّذِي يُنَاوِلُهُ الْعَصَا إذَا دَخَلَ قَالَ بَعْضٌ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مُؤَذِّنٌ يُنَاوِلُهُ الْعَصَا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ كَمَا دَخَلَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهَا فَالْكَافُ بِمَعْنَى عَلَى (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ خَبَرٍ صَحِيحٍ) قَصَدَ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى ابْنِ حَبِيبٍ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَ كَمَا دَخَلَ فَلْيُسَلِّمْ إذَا جَلَسَ لِلْخُطْبَةِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْ سَمِعَهُ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَرْكَعُ مَعَ النَّاسِ أَوْ لَا يَرْكَعُ لَمْ يُسَلِّمْ إذَا جَلَسَ لِلْخُطْبَةِ أَيْ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ كَانَ كَمَا دَخَلَ أَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مُحْدَثٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اهـ.
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وُرُودِ خَبَرٍ غَيْرِ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: لَا بِأَصْلِ فِعْلِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ فِعْلِهِ السُّنِّيَّةُ (قَوْلُهُ: قَدْرَ الْجُلُوسِ) أَيْ الْجُلُوسِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي فِيهِ اعْتِدَالٌ وَطُمَأْنِينَةٌ (قَوْلُهُ ابْنُ عَاتٍ قَدْرَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ أَوْ مُفَسِّرٌ لَهُ وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِعَدَمِ إتْيَانِهِ بِالْعَاطِفِ فِيهِ فَلَمْ يَقُلْ وَقَالَ ابْنُ عَاتٍ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ النَّقْلَ) أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ وَتَقْصِيرُ. . . إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مَنْدُوبٌ آخَرُ وَكَذَا يُنْدَبُ تَقْصِيرُ صَلَاتِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ التَّخْفِيفَ لِكُلِّ إمَامٍ مُجْمَعٌ عَلَى نَدْبِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ وَخَطَبَ الثَّانِي مِنْ انْتِهَاءِ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ إنْ عَلِمَ وَإِلَّا ابْتَدَأَهَا كَذَا يَنْبَغِي كَمَا فِي عب.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَسْتَخْلِفُوا حَاضِرَهَا) قَالَ شب كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا