أَوْ جُنَّ أَوْ نَحْوِهِمَا فَهُوَ وَصْفٌ ثَانٍ لِلْإِمَامِ فَكَأَنَّهُ قَالَ شَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ تَقَعَ بِإِمَامٍ مُقِيمٍ مَوْصُوفٍ بِكَوْنِهِ الْخَاطِبَ فَلَا يُصَلِّي غَيْرُهُ إلَّا لِعُذْرٍ

(ص) وَوَجَبَ انْتِظَارُهُ لِعُذْرٍ قَرُبَ عَلَى الْأَصَحِّ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ يَزُولُ عَنْ قُرْبٍ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ انْتِظَارُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ اسْتَخْلَفُوا مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ وَلَا يَنْتَظِرُوهُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُؤَلِّفُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ هُنَا لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنْ عَرَضَ بَيْنَهُمَا عُذْرٌ وَيَزُولُ عَنْ قُرْبٍ فَفِي اسْتِخْلَافِهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ الِاسْتِخْلَافِ وَوُجُوبُ انْتِظَارِهِ وَهُوَ لِابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ أَبِي حَازِمٍ انْتَهَى وَعَزَاهُ ابْنُ يُونُسَ لِسَحْنُونٍ قَالَ بَعْضٌ وَعَزَاهُ سَنَدٌ لِلْجَلَّابِ وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ، وَنَحْوُهُ فِي الْمُوَازِيَةِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَكَانَ صَاحِبُ الطِّرَازِ جَعَلَهُ تَفْسِيرًا وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْكَدُوفِ فِي الْوَافِي فَلِذَلِكَ صَحَّحَهُ الْمُؤَلِّفُ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُ وَيَسْتَخْلِفُ أَوْ يَسْتَخْلِفُونَ قَرُبَ الْعُذْرُ أَوْ بَعُدَ اهـ. وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ قَرُبَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْرُبْ لَا يَجِبُ انْتِظَارُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِخْلَافُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ وَالْقُرْبُ قَدْرُ أُولَتَيِ الرُّبَاعِيَّةِ وَقِرَاءَتِهِمَا

(ص) وَبِخُطْبَتَيْنِ قَبْلَ الصَّلَاةِ (ش) هُوَ أَيْضًا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ أَيْ وَمَنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ الْخُطْبَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَوْ تَرَكَهُمَا، أَوْ إحْدَاهُمَا لَمْ تَصِحَّ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بِسُنِّيَّتِهِمَا وَيُشْتَرَطُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الشَّامِلِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَوْ خَطَبَ بَعْدَهَا أَعَادَ الصَّلَاةَ وَحْدَهَا وَفِي أَبِي دَاوُد كَانَتْ الْخُطْبَةُ بَعْدُ وَإِنَّمَا رُدَّتْ قَبْلُ مِنْ حِينِ انْفَضُّوا

(ص) مِمَّا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ خُطْبَةً (ش) أَيْ وَالْمُجْزِئُ مِنْ الْخُطْبَةِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِفَةً بِمَا ذُكِرَ ابْنُ بَزِيزَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ بَعْضٌ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ مُسَجَّعٌ يُخَالِفُ النَّظْمَ وَالنَّثْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ التَّذْكِرَةِ فَإِنْ هَلَّلَ وَكَبَّرَ لَمْ يَجْزِهِ وَفِي قَوْلِهِ مِمَّا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ خُطْبَةً إشْعَارٌ بِأَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ إذْ غَيْرُهَا لَا تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ خُطْبَةً وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي

(ص) تَحْضُرُهُمَا الْجَمَاعَةُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حُضُورُ الْخُطْبَتَيْنِ مُسْتَمِعِينَ لَهُمَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ شَرْطِهِمَا اتِّصَالُهُمَا بِالصَّلَاةِ وَاسْتِمَاعُهُمَا فَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْجَمَاعَةِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ سَنَدٍ فَلَوْ فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ خَطَبَ وَإِلَّا انْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ وَعَبَّرَ هُنَا بِالْحُضُورِ دُونَ السَّمَاعِ وَعَبَّرَ فِي بَابِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQلِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ امْتَنَعَ عَلَيْهِمْ الْجَمْعُ تَشْبِيهًا لَهُمْ بِمَنْ فَاتَتْهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا اُنْظُرْ عج (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ اسْتَخْلَفُوا) فَإِنْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافِ أَحَدٍ صَحَّتْ (قَوْلُهُ تَفْسِيرًا) أَيْ تَقْيِيدٌ لِلْمُدَوَّنَةِ بِأَنْ تُحْمَلَ الْمُدَوَّنَةُ عَلَى حَالَةِ الْبُعْدِ (قَوْلُهُ: وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِخْلَافُ) وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ نَدْبِهِ فَهُوَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَالْقُرْبُ قَدْرَ أُولَتَيْ الرُّبَاعِيَّةِ) اُنْظُرْ هَلْ الْعَصْرُ أَوْ الظُّهْرُ أَوْ الْعِشَاءُ، وَالظَّاهِرُ الْعِشَاءُ.

(قَوْلُهُ: وَبِخُطْبَتَيْنِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَا فِي الْمَسْجِدِ وَيُنْدَبُ كَوْنُهُمَا عَلَى الْمِنْبَرِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ) مُقَابِلُ الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ: هُوَ الْمَشْهُورُ) وَمُقَابِلُهُ أَقَلُّهُ حَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَتَحْذِيرٌ وَتَبْشِيرٌ وَقُرْآنٌ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَكُلٌّ مِنْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْقُرْآنِ مُسْتَحَبٌّ وَسَيَأْتِي يُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِاسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا الدُّعَاءُ لِلصَّحْبِ فَبِدْعَةٌ مُسْتَحْسَنَةٌ، وَأَمَّا ذِكْرُ السَّلَاطِينِ وَالدُّعَاءُ لَهُمْ فَبِدْعَةٌ لَكِنْ بَعْدَ إحْدَاثِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ فِي الْخُطَبِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ بِحَيْثُ يُخْشَى عَلَى الْخَطِيبِ غَوَائِلُهُ وَلَا تُؤْمَنُ عَاقِبَتُهُ صَارَ رَاجِحًا أَوْ وَاجِبًا مَا لَمْ يَكُنْ مُجَاوَزَةً فِي وَصْفِهِ إذْ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِصَلَاحِ السَّلَاطِينِ (قَوْلُهُ: مُسَجَّعٍ) فَإِنْ أَتَى بِكَلَامٍ نَثْرٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعِيدُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيَجْزِي بَعْدَهَا وَهَلْ كَذَا إذَا كَانَتْ نَظْمًا أَوْ يُقَالُ إنَّ النَّظْمَ قَرِيبٌ مِنْ السَّجْعِ؟ حَرِّرْ. (قَوْلُهُ: لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ) فَوُقُوعُهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لَغْوٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَالْخَطِيبُ يَعْرِفُهَا وَجَبَتْ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْخَطِيبُ عَرَبِيَّةً لَمْ تَجِبْ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ جَهْرًا فَإِسْرَارُهَا كَعَدَمِهَا وَتُعَادُ جَهْرًا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا لَهَا بَالٌ، وَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى لَكَفَى كَمَا أَفَادَهُ فِي ك وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَرْكَانَهَا ثَلَاثَةٌ كَلَامٌ مُسَجَّعٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَحْذِيرٍ وَتَبْشِيرٍ وَكَوْنُهَا بِالْعَرَبِيِّ وَكَوْنُهَا جَهْرًا فَإِسْرَارُهَا كَعَدَمِهَا (قَوْلُهُ: تَحْضُرُهُمَا الْجَمَاعَةُ) الْأَنْسَبُ جَعْلُ الْجُمْلَةِ حَالًا؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ خُصِّصَتْ.

(قَوْلُهُ: الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ) قَالَ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ حُضُورَ الْخُطْبَتَيْنِ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إنْ زَادُوا عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ لَمْ يَزِيدُوا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: مُسْتَمِعِينَ) لَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِمَاعَ هُوَ الْإِصْغَاءُ وَاَلَّذِي مِنْ شَرْطِ الصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ الْحُضُورُ لَا الْإِصْغَاءُ فَمَتَى حَصَلَ الْحُضُورُ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ إصْغَاءٌ؛ إذْ لَوْ تَمَّ ذَلِكَ لَمَا كَانَ فَرْقٌ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ فَإِنَّهُ فِي الْعِيدِ عَبَّرَ بِالسَّمَاعِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاسْتِمَاعُ فَالْأَحْسَنُ آخِرُ الْعِبَارَةِ الْمُفِيدُ أَنَّ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ إنَّمَا هُوَ الْحُضُورُ فَقَطْ بِخِلَافِ الْعِيدِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ الِاسْتِمَاعُ وَمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ الْحُضُورُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَمِعُوا كَمَا أَفَادَهُ بَعْضٌ لَا يُنَافِي أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ بِالِاسْتِمَاعِ بَعْدُ لَا لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى كَوْنِهَا لِلْعَهْدِ الذِّكْرَى كَمَا أَفْصَحَ بِهِ شب (قَوْلُهُ تَنْعَقِدُ بِهِمْ) هَذَا مَحَلُّ الشَّاهِدِ.

(قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ هُنَا بِالْحُضُورِ. . . إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ الْمُؤَلِّفُ بِالْحُضُورِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَكْفِي مُجَرَّدُ الْحُضُورِ وَلَوْ لَمْ يُصْغِ بِأَنْ اشْتَغَلَ فِي قَلْبِهِ بِفِكْرَةٍ حِسَابِيَّةٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015