مَنْ اعْتَدَى عَلَى شَخْصٍ فَقَدَّمَهُ لِظَالِمٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَتَجَاوَزُ فِي ظُلْمِهِ وَيُغَرِّمُهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي تَضْمِينِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِ ابْنِ يُونُسَ إذَا كَانَ الشَّاكِي ظَالِمًا فِي شَكَوَاهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلْمَشْكُوِّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى أُجْرَةِ الرَّسُولِ الْمُعْتَادِ أَنْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الشَّاكِيَ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا وَإِلَّا لَيْسَ هُنَا رَسُولٌ بِالْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى أُجْرَةِ الرَّسُولِ وَأَمَّا الْقَدْرُ الَّذِي أَخَذَهُ الرَّسُولُ فَإِنَّ الْمَشْكُوَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الشَّاكِي سَوَاءٌ كَانَ الشَّاكِي ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا وَقَالَ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ إنْ كَانَ الشَّاكِي ظَالِمًا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الزَّائِدَ عَلَى أُجْرَةِ الرَّسُولِ وَيَغْرَمُ أَيْضًا أُجْرَةَ الرَّسُولِ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَإِنَّهُ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَغْرَمُ الشَّاكِي شَيْئًا مُطْلَقًا أَيْ لَا مِنْ الزَّائِدِ عَلَى أُجْرَةِ الرَّسُولِ وَلَا مِنْ أُجْرَةِ الرَّسُولِ ظَالِمًا كَانَ فِي شَكَوَاهُ أَوْ مَظْلُومًا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ فَقَطْ إنْ كَانَ ظَالِمًا فِي شَكَوَاهُ فَقَوْلُهُ زَائِدًا مَفْعُولُ يَضْمَنُ وَفَاعِلُ ظَلَمَ الشَّاكِي وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ إنْ لَمْ يَظْلِمْ لَمْ يَغْرَمْ الزَّائِدَ بَلْ يَغْرَمُ قَدْرَ أُجْرَةِ الرَّسُولِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ أَوْ الْجَمِيعَ أَيْ أَوْ يَضْمَنُ إنْ ظَلَمَ جَمِيعَ الْغُرْمِ مِنْ قَدْرِ أُجْرَةِ الرَّسُولِ وَالزَّائِدِ وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ إنْ لَمْ يَظْلِمْ لَمْ يَغْرَمْ الْقَدْرَ وَلَا الزَّائِدَ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّ مَفْهُومَ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْلِمْ يَغْرَمُ أُجْرَةَ الرَّسُولِ فَقَطْ وَمَفْهُومُ الثَّانِي إنْ لَمْ يَظْلِمْ لَا يَضْمَنُ الْقَدْرَ وَلَا الزَّائِدَ وَقَوْلُهُ أَوْ لَا أَيْ أَوْ لَا يَغْرَمُ الشَّاكِي الظَّالِمُ شَيْئًا فَأَحْرَى إنْ لَمْ يَظْلِمْ فَهُوَ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَاَللَّذَانِ قَبْلَهُ مَفْهُومَا مُخَالَفَةٍ فَقَدْ اشْتَمَلَ كَلَامُهُ مَفْهُومًا وَنَصَّا عَلَى أَقْوَالِ ابْنِ يُونُسَ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا الشُّيُوخُ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَازِرِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا قَوْلَيْنِ اُنْظُرْ ابْنَ غَازِيٍّ وَالضَّمِيرُ فِي شَاكِيهِ يَرْجِعُ لِلْغَاصِبِ وَأَحْرَى غَيْرُهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ ظَلَمَ فِي شَكَوَاهُ.
(ص) وَمَلَكَهُ إنْ اشْتَرَاهُ وَلَوْ غَابَ أَوْ غَرِمَ قِيمَتَهُ إنْ لَمْ يُمَوِّهْ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْغَاصِبَ يَمْلِكُ الشَّيْءَ الْمَغْصُوبَ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ رَبِّهِ أَوْ مِمَّنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ الْمَغْصُوبُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَكَذَلِكَ يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ إنْ لَمْ يَكْذِبْ فِي دَعْوَاهُ التَّلَفَ فَإِنْ ظَهَرَ كَذِبُهُ بِأَنْ تَبَيَّنَ عَدَمُ تَلَفِهِ بَعْدَ ادِّعَائِهِ التَّلَفَ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّمْوِيهِ وَيَرْجِعُ فِي عَيْنِ شَيْئِهِ إنْ شَاءَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُمَوِّهْ أَيْ يَكْذِبْ فِي دَعْوَى عَدَمِهِ فَقَدْ مَلَكَهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ أَفْضَلَ مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِتَمَامِهَا فَقَوْلُهُ (وَرَجَعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَاصِبِ (بِفَضْلَةٍ أَخْفَاهَا) أَيْ فِي عَدَمِ التَّمْوِيهِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَنْطُوقِ وَأَمَّا فِي التَّمْوِيهِ فَيَرْجِعُ فِي عَيْنِ شَيْئِهِ قَوْلُهُ إنْ اشْتَرَاهُ مَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مَلَكَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِهِ الشَّاكِي فِي إحْضَارِ الْمَشْكُوِّ فَيَكُونُ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا أَغْرَمَتْهُ الرُّسُلُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الظَّالِمِ وَالْمَظْلُومِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ اهـ
أَقُولُ إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ وَعَلِمْت صَدْرَ عِبَارَةِ شَارِحِنَا تَعْرِفُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُتَجَاوِزٌ فَلَا غُرْمَ عَلَى الشَّاكِي بِاتِّفَاقٍ وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ حَيْثُ فَرَضَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ اعْتَدَى عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنْ كَانَ ظَالِمًا أَوْ غَيْرَ ظَالِمٍ مَعَ أَنَّهُ مَتَى اتَّصَفَ بِالِاعْتِدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا ظَالِمًا ثُمَّ أَقُولُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّكْوَى أَنْ يَقُولَ لِلظَّالِمِ أَشْتَكِي لَك فُلَانًا بِدِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ تَأْخُذُهُ مِنْهُ كَمَا يَقَعُ الْآنَ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَشْكُوَ ظُلَامَتَهُ وَأَمَّا مَا يَقَعُ مِنْ النَّاسِ الْآنَ يَقُولُ لِلظَّالِمِ أَشْكُو لَك فُلَانًا بِأَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ مِنْ بَابِ مَنْ دَلَّ لِصًّا وَالْمُعْتَمَدُ الضَّمَانُ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَيْسَ إلَخْ لَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ بِرَسُولٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْحَطَّابُ وَانْظُرْ لَوْ شَكَا شَخْصٌ لِحَاكِمٍ جَائِرٍ لَا يَتَوَقَّفُ فِي قَتْلِ النَّفْسِ فَضَرَبَ الْمَشْكُوَّ حَتَّى مَاتَ هَلْ يَلْزَمُ الشَّاكِيَ شَيْءٌ أَوْ لَا اهـ. وَالظَّاهِرُ ضَمَانُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ كَحُرٍّ تَعَذَّرَ رُجُوعُهُ (قَوْلُهُ وَاقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَازِرِيِّ) كَلَامٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ ذَكَرَ قَوْلَيْنِ فِيمَنْ دَلَّ ظَالِمًا عَلَى مَا أَخْفَاهُ رَبُّهُ عَنْهُ هَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالًا ثَلَاثَةً فِي مَسْأَلَةِ الشَّاكِي بِالضَّمَانِ مُطْلَقًا، عَدَمُهُ مُطْلَقًا، الضَّمَانُ إنْ ظَلَمَ.
(تَنْبِيهٌ) : عَزَا ابْنُ يُونُسَ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ لِلْكَثِيرِ قَالَ عج وَهُوَ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِهِ مَعَ أَنَّ الَّذِي بِهِ الْفَتْوَى بِمِصْرَ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي وَقَالَ اللَّقَانِيِّ إنَّ أَظْهَرَ الْأَقْوَالِ وَأَصْوَبَهَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ فَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ غَابَ إلَخْ) هَذَا صَرِيحٌ فِي ضَعْفِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْمَغْصُوبِ لِغَاصِبِهِ أَنْ يُرَدَّ لِرَبِّهِ وَهُوَ أَحَدُ شِقَّيْ التَّرَدُّدِ (قَوْلُهُ أَوْ غَرِمَ قِيمَتَهُ) أَيْ حَكَمَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا حَكَمَ الْحَاكِمُ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُمَوِّهْ) أَيْ يَكْذِبْ بِأَنْ قَالَ أَبَقَ الْعَبْدُ أَوْ ضَلَّ الْبَعِيرُ أَوْ ضَاعَتْ السِّلْعَةُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ خِلَافُ مَا قَالَ فَإِنْ مَوَّهَ أَيْ تَبَيَّنَ خِلَافُ مَا قَالَ فَلِرَبِّهِ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِ شَيْئِهِ إنْ شَاءَ وَمِنْ التَّمْوِيهُ الِاخْتِلَافُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ صِفَاتِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى نَزَّلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الِاخْتِلَافِ فِي الذَّاتِ (قَوْلُهُ وَرَجَعَ عَلَيْهِ إلَخْ) إنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ لِلتَّمْوِيهِ فِي الصِّفَةِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ فِي عَدَمِ التَّمْوِيهِ أَيْ فِي عَدَمِ التَّمْوِيهِ فِي الذَّاتِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُمَوِّهَ فِي الذَّاتِ سَوَاءٌ مَوَّهَ فِي الصِّفَةِ أَوْ لَا أَوْ يُمَوِّهَ فِي الصِّفَةِ فَإِنْ مَوَّهَ فِي الصِّفَةِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْفَضْلَةِ فَإِنْ وَصَفَهُ بِوَصْفٍ يَقْتَضِي أَنَّ قِيمَتَهُ عَشَرَةٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ قِيمَتَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخَمْسَةٍ وَانْظُرْ لَوْ وَصَفَهُ الْغَاصِبُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَدْنَى مِنْهُ أَوْ وَصَفَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَدْنَى مِنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ الَّذِي لَهُ وَانْظُرْ لَوْ تَجَاهَلَا فِي الصِّفَةِ قَالَ أَشْهَبُ فَإِنْ لَمْ يُثْبِتَا لَهَا صِفَةً جُعِلَتْ مِنْ أَوْضَعِ الْجَوَارِي ثُمَّ أُغْرِمَ الْغَاصِبُ قِيمَتَهَا عَلَى ذَلِكَ يَوْمَ غَصْبِهَا
(قَوْلُهُ رَاجِعٌ لِلْمَنْطُوقِ) أَيْ لِبَعْضِ صُوَرِ الْمَنْطُوقِ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ يُمَوِّهْ أَيْ فِي الذَّاتِ سَوَاءٌ مَوَّهَ فِي الصِّفَةِ أَمْ لَا