وأيضا: فإن هذا اعتلال منتقض؛ لاتفاق الجميع على أن المولى لا يصح منه ابتداء كتابة، ولو عقدها في الحياة، ثم مات: لم يبطل.
فإن قيل: لما كان شرط الكتابة حصول العتق عند الأداء، ويستحيل أن يصير حرا في هذه الحال: لم يصح أداؤها، إذ لم يحصل به العتق المستحق بعقد الكتابة.
قيل له: من قولك: إن حكم الأداء أن يقع العتق معه في جميع الأحوال، هو موضع المنازعة بيننا وبينكم، لأنا نقول: إن الأداء يوجب العتق، ولا نقول: إنه يوجبه في وقت وجوده لا محالة، بل يوجبه تارة عقيب الأداء، وتارة قبله، بالدلائل التي ذكرناها.
وكما جاز أن يكون المولى معتقا تارة في حال الأداء، وتارة قبل الموت بلا فصل، كذلك حكم العبد.
ودليل آخر: وهو قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين}.
فحكم ببقاء دين الميت بعد موته، وأوجب قضاءه من ماله، والمكاتبة دين على الميت، فوجب أداؤه من ماله، وأن يجعل الباقي لورثته، ومن ادعى سقوطه بالموت، فهو تارك لحكم الآية بلا دلالة، فإذا وجب الأداء بعد الموت، تعلق به حكم المعتق، لأن الناس فيه على قولين: منهم من يجعله عاجزا، ويسقط الأداء، ومنهم من يثبت الأداء، ويجعله حرا قبل الموت، فلما بطل بظاهر الآية قول من أسقط الأداء: ثبت قولنا.