قيل له: لو صح هذا الاعتبار، لما صح الإقرار بالبيع وسائر العقود؛ لأنها لا تصح بإيجاب أحدهما إلا بقبول الآخر، ونحن لا نعلم أنه كان هناك عقد متقدم فيه إيجاب وقبول، فلو جاز إقرارهما: يكون عقد فيه إيجاب وقبول في أمة زعما أنهما عقدً فيها بيعًا، أو هبة فيما بينهما.
كذلك يجوز إقرارهما بعقد نكاحٍ صحيح؛ لأن أمور المسلمين محمولة على الصحة، ولا يجوز حملها على الفساد إلا أن يعلم.
وأيضًا: فلما كانا مالكين للمعقود عليه وللعقد، وجب أن يكون إقرارهما فيه جائزًا، كما جاز إقرار الإنسان بسائر العقود، إذ كان مالكًا له في الحال.
*ودليل آخر لجواز دعوى المقر على الوجه الذي نجيزها عليه: وهو أنه لا سبيل إلى معرفة ثبوت النسب من الرجل إلا من جهته، فصار قوله فيه كالبينة، كالحيض لما لم يكن لنا سبيل إلى معرفته إلا من جهة المرأة، صار قولها فيه كالبينة، وقد بينا ذلك فيما تقدم.
والمرأة مصدقة في جميع ذلك إلا في دعوى الولد، فإنها لا تصدق إلا بشهادة المرأة، تشهد على الولادة.
وفارقت الرجل من وجهين: أحدهما: أنه قد يمكننا الوصول إلى صحة دعواها من جهة غيرها، وهي القابلة التي تحضر الولادة، وكلفت البينة فيها على حسب الإمكان، ولا يكلف الرجال؛ لأنهم لا يحضرون ذلك الموضع.
والوجه الآخر: أنها حاملة للنسب على غيرها، ألا ترى أنا إذا ثبتنا النسب منها بقولها، ولها زوج، وجب إثباته من الزوج، فكان فيه حمل النسب على الغير.