. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، لِأَنَّ صِنَاعَةَ الْجَدَلِ اصْطِلَاحِيَّةٌ. وَقَدِ اصْطَلَحَ الْفُضَلَاءُ عَلَى إِيرَادِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ، فَهِيَ وَإِنْ تَدَاخَلَتْ، أَوْ رَجَعَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ أَجْدَرُ بِحُصُولِ الْفَائِدَةِ مِنْ إِفْحَامِ الْخَصْمِ، وَتَهْذِيبِ الْخَوَاطِرِ، وَتَمْرِينِ الْأَذْهَانِ عَلَى فَهْمِ السُّؤَالِ، وَاسْتِحْضَارِ الْجَوَابِ، وَتَكَرُّرُهَا الْمَعْنَوِيُّ لَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ رَمَى الْمُقَاتِلُ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ.
قَوْلُهُ: «وَتَرْتِيبُهَا أَوْلَى اتِّفَاقًا، وَفِي وُجُوبِهِ خِلَافٌ» .
أَيْ: تَرْتِيبُ الْأَسْئِلَةِ وَهُوَ جَعْلُ كُلِّ سُؤَالٍ فِي رُتْبَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُفْضِي بِالْمُعْتَرِضِ إِلَى الْمَنْعِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى، وَهُوَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ قَبِيحٌ، فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ أَوْلَى.
أَمَّا وُجُوبُهُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ نَفْيًا لِلْقُبْحِ الْمَذْكُورِ، وَنَفْيُ الْقُبْحِ وَاجِبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ نَظَرًا إِلَى أَنَّ كُلَّ سُؤَالٍ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، لَهُ حُكْمُ نَفْسِهِ، وَجَوَابُهُ مُرْتَبِطٌ بِهِ، فَلَا فَرْقَ إِذَنْ بَيْنَ تَقَدُّمِهِ وَتَأَخُّرِهِ، وَالْمَقْصُودُ إِفْحَامُ الْخَصْمِ، وَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ التَّرْتِيبِ وَعَدَمِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُحَارِبَ لَمَّا كَانَ قَصْدُهُ قَتْلَ غَرِيمِهِ، أَوْ هَزِيمَتَهُ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَبْدَأَ قِتَالَهُ بِسَيْفٍ، أَوْ رُمْحٍ، أَوْ سَهْمٍ، أَوْ نَارٍ مُحْرِقَةٍ، أَوْ مَاءٍ مُغْرِقٍ، أَوْ تَرْدِيَةٍ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ تَرْتِيبَ الْأَسْئِلَةِ كَيْفِيَّةٌ لَهَا، ثُمَّ إِنَّ نَفْسَ الْأَسْئِلَةِ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا، إِنَّمَا الْمَقْصُودُ إِفْحَامُ الْخَصْمِ وَهِيَ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ فَتَرْتِيبُهَا الَّذِي هُوَ فَرْعٌ