المذهب الثاني الذي أبقاه الله جل في علاه وحمله أصحابه هو مذهب الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، كان علماً لأهل المدينة، وكان فحلاً من أساطين أهل العلم ومن أئمة أهل الشأن، قال فيه الشافعي: إذا ذكر الحديث فـ مالك النجم، وما أحد يعلو على مالك، ولذلك ورد عن الشافعي أنه قال: أصح كتاب بعد كتاب الله هو الموطأ، وهذا قاله قبل أن يصنف صحيح البخاري.
والإمام مالك وإن كان مذهبه قوياً لكن تؤخذ على مذهبه أمور من أشد ما تكون، ألا وهي: التوسع في مسألة سد الذرائع، وأيضاً مسألة المصالح المرسلة، فكثيراً ما يحتج بالمصالح المرسلة، ويأخذ بقاعدة سد الذرائع، وأيضاً مما أخذ عليه: أنه كان كثيراً ما يقدم عمل أهل المدينة على أحاديث الآحاد، مع أنه كان معظماً جداً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ووجهة نظر الإمام مالك في تقديمه عمل أهل المدينة أنهم خيرة الناس، وهم الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أجمعوا على عمل يخالف سنة آحاد، فغالب ظني أنه لا يمكن أن يكون هذا الحديث صحيحاً أو أنه منسوخ؛ فلذلك رد بعض أحاديث الآحاد ولم يأخذ بها لعمل أهل المدينة، فتراه يقول بجواز أكل القرد والأسد، وأيضاً يقول بطهارة الكلب، وهذه كلها من المفردات التي انفرد بها الإمام مالك.