ثم قال: (وَقَدْ تُفِيدُ الاسْتِغْرَاقَ). (وَقَدْ) ليست للتقليل إنما هي كثيرة (تُفِيدُ) ما هي؟ (أَلْ) التي للحقيقة يعني: مع دلالتها على الحقيقة والماهية (تُفِيدُ الاسْتِغْرَاقَ) يعني: الشمول. (تُفِيدُ الاسْتِغْرَاقَ) إذًا الاستغراقية ليست مباينة للحقيقية وإنما هي داخلة تحتها، (وَقَدْ تُفِيدُ) وهي (أَلْ) التي للحقيقة (الاسْتِغْرَاقَ) سواء كان حقيقيًّا أو عرفيًّا - كما سيأتي - للأفراد حقيقة كـ {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} يعني: عالم كل غيب وكل شاهدة، كل فرد من أفراد الغيب عالم به، وكل فرد من أفراد الشهادة عالم به {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2] يعني: كل إنسان، هذه (أَلْ) الاستغراقية لأنها أشارت إلى الحقيقة لكن باعتبار الأفراد وباعتبار جميع الأفراد ثلاثة أشياء:

{الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} حقيقة الإنسان ميزه عن الحيوان عن سائر الحيوان يعني: الأنواع.

ثم كان الحكم على الأفراد.

ثم الحكم على الأفراد على نوعين: بعض الأفراد أو جميع الأفراد؟ هنا جميع الأفراد ولذلك صَحَّ حُلُول لفظ كل محلها والاستثناء من مدخولها، {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ} [العصر: 2، 3] {إِلَّا} أداة استثناء {الَّذِينَ} جمع أليس كذلك؟ هو مُستثنى، أين المستثنى منه؟ الإنسان، الإنسان في اللفظ واحد، كيف استثني منه {الَّذِينَ}؟

نقول: هو باعتبار المعنى في شمول. يعني: كل إنسان كل فرد من أفراد الإنسان.

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] هذه موصولية إذًا (وَقَدْ تُفِيدُ الاسْتِغْرَاقَ) للأفراد حقيقةً كـ {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي: كل غيب وكل شهادة، أو عرفًا يعني: لها استغراق لكنه عرفيّ كقولهم: جَمَعَ الأَمِيرُ الصَّاغَة. كل صاغة العالم أو صاغة بلده؟

بلده، لأن هذا العرف، الأمير ليس له إلا ما تحته، أليس كذلك؟

جَمَعَ الأَمِيرُ الصَّاغَة يعني: صاغة بلده، هذا الذي يُعَوَّلُ عليه، وأما لفظ الصاغة لو قيل بأنه كالإنسان حينئذٍ جمع كل من يَصْدُق عليه الوصف في العالم كله، وهذا لا وجود له.

إذًا هذا استغراق عرفي يعني: باعتبار عرف المتكلِم. كون (أَلْ) للاستغراق المراد بها أنها تعمُّ الأفراد ومع ذلك معنى الجنسية لا يفارقها، لأن الحقيقية قلنا: حقيقة من الحقائق وماهية من الماهيات وهي التي يُعَبَّرُ عنها بالجنس، إذًا (أَلْ) الجنسية.

(أَلْ) الحقيقية هي الجنسية عند البيانيين، حينئذٍ (أَلْ) التي تفيد الاستغراق لا تفارق الجنسية، وإنما مع دلالتها على الجنسية تدل على الأفراد، إما كُلاًّ في الحقيقي أو بعضًا في العرفيّ، فمعنى الجنسية لا يفارقها كما أشرنا فيما سبق {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} أُشير بـ (أَلْ) إلى الحقيقة لكن لم يقصد بها الماهية من حيث هي هِي ولا من حيث تحققها في ضمن بعض الأفراد، بل في ضمن الجميع بدليل صحة الاستثناء.

{إِنَّ الْإِنسَانَ} رُوعِي فيه الاستغراق ورُوعِي فيه الجنس، انتبه لهذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015