لم يتقدم لا تصريحًا ولا كناية، وإنما عُهِدَ علمه إلى المخاطب، واضح؟ أو لكونه محسوسًا مُبْصَرًا كقولك لِمَنْ يسدد سهمًا: الْقِرْطَاس. يعني: شيء محسوس أمامك الْقِرْطَاس يعني: سدد القرطاس مثلاً أو لكونه حاضرًا نحو {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] حاضر اليوم نزلت الآية يوم عرفة يعني: هذا اليوم. حينئذٍ (أَلْ) هنا تفيد العهد الحضوري، وكل هذا في غير مسند لكن الحكم واحد، والبيانيون اعتادوا أن يمثلوا للمعاني بالمسند وغيره.
إذًا العهد الخارجي الأصل أنه منقسم إلى قسمين:
عهد خارجي حقيقيّ: إذا كان المعهود ملفوظًا به مصرحًا {مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ}.
وعهد خارجي تقديريّ: وهو إذا كُنِّيَ عنه مثل {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى}، والمراد بالذكر هنا حينئذٍ نقول: هذا عهد خارجي تقديري، وقد يأتي لغيره فيما ذكر.
(أَوْ حَقِيقَةٍ) (أَوْ) للتنويع، أو يكون المسند إليه معرفًا بـ (أَلْ) لأجل الإشارة لـ (حَقِيقَةٍ) يعني: نفس الحقيقة فـ (أَلْ) عند البيانيين قسمان:
عهدية.
وحقيقية.
فقط الحقيقية هي الجنسية وتدخل تحتها الاستغراقية، بخلاف التقسيم عند النحاة عند النحاة تختلف، عند البيانيين (أَلْ) إما عهدية، وإما حقيقية. يعني: إما تأتي للعهد كما قال الناظم هنا، وإما لحقيقة.
ثم العهد أنواع ثم الحقيقية كذلك أنواع.
(حَقِيقَةٍ) من الحقائق أي: ماهية من الماهيات المشتركة بين جميع الأفراد التي يُعبر عنها بالجنس - عند البيانيين - يعني: الحقيقة من حيث هي لا باعتبار الأفراد، الإنسان حيوان ناطق، الإنسان من حيث هو إنسان لا باعتبار الأفراد، حينئذٍ يعبر عنها بالحقيقة يعني: ماهية من الماهيات، أو حقيقة من الحقائق التي يُعبَّر عنها بالجنس من غير اعتبار مصدقها، ما المراد بالمصدق؟ الأفراد، يعني: ما يَصْدُقُ عليه اللفظ، لفظ إنسان يصدق على عمرو، وخالد، وبكر، ومحمد، هذا يُسمى مصدر، نعتبر مدلول اللفظ من حيث هو لا باعتبار المصدر يُسمى ماذا؟ يسمى حقيقة. نحو: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَة. هذا المثال مشهور: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَة. حَقِيقَةُ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ حَقِيقَةِ الْمَرْأَة، لا باعتبار الأفراد يعني: ليس كل فرد من الرجال خير من كل فرد من النساء، ليس هذا المراد، الآن وجد العكس، الرَّجُلُ حقيقة الرجل من حيث هو رجل يعني: وصف الرجولة خير من وصف الأنوثة أليس كذلك؟ هذا هو المراد، أي: حقيقة الرجل من حيث هي هِي يعني: لا باعتبار الأفراد ومنه: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ... [الأنبياء: 30] يعني: من جنس الماء - وإن كان هذا ليس من المسند إليه - ومنها اللام داخلة على المعرفات حقيقية تقول: الكلمة قول مفرد. الكلمة (أَلْ) أي: حقيقة الكلمة من حيث هي هِي يعني: لا باعتبار الأفراد. الإنسان حيوان ناطق يعني: الإنسان من حيث هو هُو. والكلمة لفظ وضع لمعنى مفرد، ولا تدل هذه اللام على وحدة ولا تعدد. إذًا لام حقيقة تدل على حقيقة من الحقائق وماهية من الماهيات لا باعتبار الأفراد، فلا تدل على تعدد ولا على وحدة، وإنما على شيء من حيث هو هُو.