والثاني: العهد الخارجي التقديريّ نحو ماذا؟ كقولك: انْطَلَقَ الرَّجُلُ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا، وَالْمُنْطَلِقُ ذُو سَعَادَةٍ. انْطَلَقَ وَالْمُنْطَلِقُ، هنا في الْمُنْطَلِقُ (أَلْ) للعهد لكنه عهد خارجيّ تقديريّ لماذا؟ لكون انْطَلَقَ يدل على اسم الفاعل التزامًا، فإن انْطَلَقَ يدل على الْمُنْطَلِقُ التزامًا لأن انْطَلَقَ حَدَثٌ، والحدث لا بد له من مُحْدِثِّ، والْمُحْدِث هو المتصف بالحدث. انْطَلَقَ مُنْطَلِق، ضَرَبَ ضَارِب، قَتَلَ قَاتِل، إذًا دلالة قَتَلَ على قَاتِل دلالة التزامية، فحينئذٍ يكون العهد هنا عهدًا خارجيًّا لكنه تقديري، وقد اجتمعا في قوله تعالى يعني: خارجًا، صريح حقيقي، والتقديري في قوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [آل عمران: 36]، {وَلَيْسَ الذَّكَرُ} هنا تقديري ... {كَالأُنثَى} هنا حقيقي، أي: ليس الذكر الذي طَلَبَتْ كالأنثى التي وُهِبَتْ، فالأنثى إشارة إلى ما سبق ذكره صريحًا في قوله تعالى حكاية عن أم مريم {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى} نكرة، ثم قال: {كَالأُنثَى} إذًا هي عينُها لكنه ليس مسند إليه والذكر إشارة إلى ما سبق ذكر كناية في قوله تعالى حكاية عنها: {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} [آل عمران: 35]. أين الذكر هنا؟ {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} أين الذكر؟ {مَا} كناية عن الذكر كأنها قالت: نذرت لك ذكرًا في بطني محررًا. وإن كانت {مَا} هذه عامة للذكر والأنثى لكن لما كان الذي يُحَرَّر ويكون خادمًا لبيت المقدس هو الذكر يعني: محصور في الذكور. هذه قرينة، ثم قوله: {مُحَرَّراً}. هذا حال، حَال من {مَا}، لو كان المراد بها الأنثى لقالت: محررةً. تأنيث لكن قال: {مُحَرَّراً}. علمنا أن {مَا} صاحب الحال مذكر هنا، فدل على أن {مَا} كناية عن ذكر، فلما قال: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ}. الذي دلت عليه {مَا} {كَالأُنثَى}، ... {إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى} إذًا اجتمع عندنا العهد الخارجي الحقيقي والعهد الخارجي التقديريّ. إذًا {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} فـ {مَا} عامة للذكر والأنثى لكن التحرير وهو أن يعتقل ولد لخدمة بيت المقدس للذكور دون الإناث وكذلك تزيد عليه {مُحَرَّراً}، وقد يستغنى عن ذكره لتقدم علم المخاطب به يعني: المعهود الخارجي قد لا يُذكر لا تصريحًا ولا كناية لماذا؟ لعلم المخاطَب بِهِ، نحو ماذا؟ خَرَجَ الأَمِيرُ، ذَهَبَ الأَمِير، رَاعَيْتُ الأَمِير، وأنت تعلم أنه ليس للبلد إلا أمير واحد، فحينئذٍ المعهود هنا فرد خارجي أليس كذلك؟ لكن أين هو؟ هل ذكر صريحًا؟ الجواب: لا، هل ذكر كناية؟ الجواب: لا، أين الإحالة؟ الإحالة لشيء معلوم عند المخاطب لماذا؟ لكوني أنا المتكلم وأنت أيها المخاطب نعلم أن البلد ليس لها إلا أمير واحد، خَرَجَ الأَمِيرُ إذا لم يكن في البلد إلا أمير واحد قالوا: ومنه - عند البيانيين - {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40] {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ}، {تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]، وهذا مدلوله فرد لكنه يعلمه المخاطب، فحينئذٍ المعهود في قوله: {الْغَارِ}. والمعهود في قوله: ... {بِالْوَادِ}. والمعهود في قوله: {الشَّجَرَةِ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015