الأول: الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد. الاحتراز يعني: يبتعد ويجتنب عن ماذا؟ عن الوقوع في الخطأ، خطأ في ماذا؟ في تأدية المعنى المراد، انتبه قال: المراد. يعني: ما يكون بأصل المعنى وزيادة لأن قلنا الجملة التي يتكلم بها المتكلم أنت الآن عندما تتكلم تتكَلم لإفادة أمرين:

أولاً: أصل المعنى الذي دلّ عليه ثبوت مفهوم المسند للمسند إليه، أو الفعل للفاعل، مبتدأ وخبر، زيد قائم، مات عمرو.

الأمر الثاني: زيادة على ما يُؤَدَّى بها أصل المعنى هذا يكون مراعاةً للحال.

إذًا الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد، وإلا لربما أُدِّيَ المعنى المراد بكلام غير مطابق لمقتضى الحال، فلا يكون بليغًا لما مر في تعريف البلاغة من أنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال شرط فيها.

الثاني: إلى تميز الفصيح من غيره. يعني: من غير الفصيح، مرجع البلاغة إلى أمرين:

الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد.

ثانيًا: تميز الكلام الفصيح من غيره. يعني من غير الفصيح، وإلا لربما أورد الكلام بكلام مطابق لمقتضى الحال وهو غير فصيح، قد يطابق يؤكد له الكلام ويكون الحال مقتضٍ للتأكيد، لكنه يأتي بعبارة ليست فصيحة، وإذا وجد في الكلام ألفاظ ليست فصيحة خرج عن كونه فصيحًا.

إذًا كيف يميز هذا عن ذاك؟

نقول: لا بد من عِلْمٍ يتميز به معرفة الفصيح عن غيره، إذًا وإلا ربما أورد الكلام بكلام مطابق لمقتضى الحال غير فصيح، فلا يكون بليغًا - لما مَرَّ - من أن البلاغة عبارة عن المطابقة مع الفصاحة، ويدخل في تميز الكلام الفصيح من غيره تميز المفردات، أن نعرف كيف نميز هذه الكلمة بكونها فصيحة أو لا، إذا سلمت من الأمور الثلاثة، إذًا كيف نحكم عليها؟ هل هو بميزان المعاجم؟

نقول: لا، لا بد من مرجع، وحاصل الأمر أن البلاغة ترجع إلى هذين الأمرين، والاقتدار عليها يتوقف على الاتصاف بهذين الوصفين السابقين، وهذا أمر يتحصل ويكتسب من علوم متعددة بعد سلامة الحس، فمرجع البلاغة حينئذٍ إلى هذه العلوم المتعددة لا إلى المعاني والبيان فقط، لأننا عرفنا أن التنافر إنما مرده إلى الحس - هذا الصحيح - مرده إلى الحس، إذًا لا بد من الحس، لا بد أن يكون عنده ذوق سليم، والذوق السليم من أين يأتي به؟

ليس هو بعلم، يعني: ليس بعلم صناعي يتعلمه ليس هناك منظومة تحفظ، ولا كتاب يُدَرَّس، وإنما هو بممارسة العلم يكون عنده مَلَكَة.

ثانيًا: عرفنا أن ضعف التأليف لمخالفة القواعد، إذًا هذا داخل في مفهوم البلاغة وليس هو عين المعاني والبيان، إذًا هو شيء خارج، ولا يمكن الاحتراز عن التعقيد اللفظي إلا بمعرفة علم النحو، أو علم الصرف، حينئذٍ نقول: البلاغة ليست مؤلفة من علمين فقط، هي علوم ثلاثة باعتبار ما يناسب الحال ومقتضى الحال، وأما من حيث ما يحصل به ويتميز الكلام الفصيح عن غيره فلا بد من علوم متعددة، وهذه التي أشار إليها بقولهم: والثاني. يعني: التمييز تمييز الفصيح عن غيره منه ما يتبين في علم متن اللغة، أو التصريف، أو النحو، أو يُدْرَكُ بالحس، وهو ما عدا التعقيد المعنوي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015