إذًا الأَوْلَى أن نجعل (مَنْ) هنا موصولة و (يُعَبِّرْ) نقول: سكنه للوزن. (وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ تَصِفُهْ) في نسخة ([نَصِفُهْ]) (بِالْفَصِيح) متعلق بقوله: (يُعَبِّرْ)، ويحتمل أنه متعلق بـ ([نَصِفُهْ]) أو (تَصِفُهْ) أي: الذي يعبر عن مقصوده بلفظ فصيح تصفه بالفصيح، فحذف المعمول الثاني بدلالة الأول عليه، وهذا إن جعلنا (مَنْ) موصولة فهي مبتدأ وجملة (تَصِفُهْ) خبر، فالفصاحة في المتكلم هي مَلَكَة يُقْتَدَرُ بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح، مَلَكَة يعني هيئة راسخة يعني: يُشترط في كل من الموصوف بالبلاغة أو الفصاحة وكان متكلِمًا لا بد أن تكون عنده مَلَكَة يعني: هيئة راسخة في النفس صفة راسخة، بمعنى أنه لا بد أن تكون عنده ممارسة للفن من أجل أن تحصل له تلك الْمَلَكَة، فقيل: مَلَكَة لما سبق فمن تكلم بلفظ فصيح وليست له مَلَكَة فغير فصيح، أليس كذلك؟ من تكلم بكلام فصيح وليست له مَلَكَة فليس بفصيح، يعني: لو تكلم بكلام سلم من تنافر الكلمات، ومن التعقيد المعنوي، ومن التعقيد اللفظي نقول: فصيح مباشرة؟ لا، مع كون الكلام قد وُجِدَ فيه السلامة من الأمور الثلاثة، لا نصف، الكلام هو نصفه بكونه فصيحًا، لكن لا نصف المتكلِم بكونه فصيحًا، فليس كل من ألقى كلامًا فصيحًا فهو فصيح، بل لا بد أن تكون عنده مَلَكَة من أجل إيقاع الوصف عليه، ويقتدر بها إشارة إلى أنه يسمى فصيحًا حالة النطق وعدمه، يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح، ليعم المفرد والمركب.

إذًا أخر الناظم هنا تعريف المتكلم الفصيح أو الموصوف بالفصاحة وهو المتكلم كان الأَوْلَى أن يقدمه على حديثه عن البلاغة (وَبِالْفَصِيح مَنْ يُعَبِّرْ [تَصِفُهْ]) فعلم مما سبق من تعريف موصوفات الفصاحة وموصوفات البلاغة أن كل بليغٍ فصيحٍ مطلقًا سواء كان كلامًا أو متكلمًا؟

كلامًا أو متكلمًا لأننا قلنا: لا بد أن الكلام يكون فصيحًا مع مطابقة الواقع في البلاغة، أليس كذلك؟ وإذا تكلم المتكلم بكلام بليغ لا بد أن يكون الكلام البليغ مشتملاً على فصاحة، حينئذٍ كلُّ بليغٍ فصيحٌ، كُلُّ بليغٍ سواء كان متكلمًا أو كلامًا فهو فصيحٌ، لجعل الفصاحة شرطًا للبلاغة، وليس كلُّ فصيحٍ بليغًا، أليس كذلك؟ لأنه قد يأتي بالكلام الفصيح وقد سَلِمَ من الأمور الثلاثة لكنه لا يكون مطابقًا للواقع، بمعنى أنه لا يتكلم بما يناسب الحال، إن كان غبيًّا يأتي بألفاظ تناسب الغبي، وإن كان ذكيًّا فيختصر له الكلام ويأتي بما يناسب الذَّكي .. وهلم جرا. إذًا ليس كلُّ فصيحِ بليغًا كلامًا كان أو متكلمًا لأن الفصيح قد يَعْرَى عن المطابقة له، واضح هذا؟

ثم أن البلاغة في الكلام من أجل أن نعرف لماذا نوع البيانيون العلوم الثلاثة علم المعاني وعلم البيان وعلم البديغ؟

البلاغة في الكلام مرجعها إلى أمرين، يعني متى تتحقق البلاغة في الكلام وفي الشخص، مرجعه إلى أمرين اثنين بالاستقراء والتتبع يعني: ما يجب أن يحصل حتى يمكن حصولها أي: الذي تتحقق به البلاغة أمران مرجعه إلى شيئين اثنين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015