البيتان موجودان في هذه القصيدة، فادعاه عبد الله بن الزبير أنه له، ثم لما أورد معهما جاء في القصة: أنت يا أخي بالرضاعة ولا فرق بيننا. حينئذ نقول: هذا يُسمّى نسخًا لأنه أخذ المعنى كله بلفظه وهو مذموم. وإن أخذ اللفظ كله مع تغيير لنظمه غير فيه بعض المفردات، أو أخذ بعض اللفظ لا كله سُمِّيَ إغارة ومسخًا. الأول نسخ، والثاني مسخ، ولذلك قال: لا إن استطيع المسخ، حينئذ يكون ماذا؟ يكون فيه تفصيل، المسخ إن أخذ اللفظ كله ولا شك أنه مع المعنى لكنه غَيَّرَ فيه، أو أخذ بعض اللفظ لا كله سُمِّيَ إغارة ومسخ. حينئذ لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون الثاني أبلغ من الأول، أو دونه، أو مثله. يعني إذا أخذ المعنى كله وأخذ اللفظ بعض اللفظ ولا بد أن يزيد أو يغير في اللفظ، فحينئذ إما أن يكون الثاني الذي سميناه مسخًا أبلغ من الأول، أو يكون دونه والأول أبلغ، أو يكون مثله سيان يكون سيان. فإن كان الثاني أبلغ من الأول لاختصاصه بفضيلة لا توجد في الأول كحسن السبك أو الاختصار أو الإيضاح أو زيادة معنى فممدوح، هذه سرقة ممدوحة إذا ممكن أن تقول: ما هي السرقة التي مدحها بعض أهل العلم؟ هي السرقة التي تُسمى مسخًا ويكون الثاني أبلغ من الأول. فالثاني مقبول كما أشار إليه الناظم بقوله: (لاَ إِنِ اسْتُطِيعَ المَسْخُ) فلا يذم، لا هذا عطف على قوله يذم، فالنسخ يذم مذموم هو أي النسخ لا يذم (إِنِ اسْتُطِيعَ المَسْخُ)، أو لا (إِنِ اسْتُطِيعَ المَسْخُ) فلا يذم، وهذا متى؟ إذا كان أبلغ من الأول، مثاله:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
الفاتك الشجاع القتال، اللهج الحريص على القتل.
وقول سَلْمٍ بعده:
من راقب الناس ما تهمن ... وفاز باللذة الجسور
فبيت سَلْمٍ قالوا: أجود سبكًا وأخصر لفظًا، هو أخذه من سابقة لكنه حذف بعض الألفاظ وسار أبلغ من الأول، هذا يسمى مسخًا لكنه ممدوح ولا يذم، لماذا لكونه أبلغ من الأول.
وإن كان الثاني دون الأول لفوات فضيلة توجد في الأول فالثاني مذموم، إذا كان دونه فالثاني مذموم، فهو داخل في قوله: و (النَّسْخُ ** يُذَمُّ) الحكم واحد، وإن كان مثله فالثاني أبعد من الذم الفضل للأول، وإذا أخذ المعنى وحده سُمِّيَ إلمامًا وسلخًا كما قال الناظم: (وَالسَّلْخُ مِثْلُهُ) إذًا نسخٌ ومَسْخٌ وسلخٌ، أليس كذلك؟
النسخ أخذ المعنى كله بجميع لفظه.
المسخ أخذ المعنى كله ببعض لفظه، أو كل اللفظ مع تغيير.
السلخ هنا فيه معنى السلخ كالشاة تسلخ، ماذا صنع؟ أخذ المعنى كله وكساه لفظًا من عنده يسمى سلخًا (وَالسَّلْخُ مِثْلُهُ) سُمِّيَ إلمامًا وسلخًا كما أشار إليه بقوله: (وَالسَّلْخُ) وهو كشف الجلد عن الشاة ونحوها فكأنه كشط عن المعني جلدًا وألبسه جلد آخر فإن اللفظ للمعنى بمنزلة اللباس. وقوله (مِثْلُهُ) أي مثل المسخ في انقسامه إلى ثلاثة أقسام، لأن الثاني إما أبلغ من الأول، أو دونه، أو مثله. والذم إنما يتوجه إلى أي شيء؟ إذا كان دونه، وأما إذا كان أبلغ فهو ممدوح، وإذا كان مثله حينئذ أبعد عن الذم والفضل للأول.