(وَاللَّفِّ وَالنَشْرِ). (اللَّفِّ وَالنَشْرِ) متقابلان، وهو ذكر متعدد على التفصيل والإجمال، يعني يُذكر أولاً متعدد، إما أن يفصله كذا وكذا، وإما أن يُجْمِلَهُ، ثُمَّ ذُكر ما لكلٍّ من غير تعيين ثقة بأن السامع يردّه إليه، فالأول ضربان الذي هو المفصل لأن النشر أما على الترتيب ترتيب اللفّ نحو قوله تعالى: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [القصص: 73] جمع بين أمرين متعددين {لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ} الأول للأول، والثاني للثاني، أليس كذلك؟ هذا يسمى لفًّا ونشرًا مرتبًا، يعني ذكر متعددين على الترتيب، ثم ذكر شيئين الأول يرجع إلى الأول والثاني للثاني. كقوله: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} يرجع إلى {اللَّيْلَ}، {وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ} يرجع إلى {وَالنَّهَارَ}.

وإما على غير ترتيبه كقوله:

كيف أسلوا وأنتِ حقفٌ وغصنٌ ... وغزالٌ لحظًا وقدًا وردفًا

الحقفُ هو الرمل المتراكم، وغصن وغزال، لحظًا وقدًّا وردفًا، لحظًا للغزال، وقدًّا للغصن، وردفًا للحقف، يعني بالعكس، هذا يُسمى غير مرتب الذي يُسمى بالْمُشَوَّش، وهنا معكوس الترتيب. والثاني هنا ذكر متعدّدًا على جهة التفصيل يعني الأول اللفّ ثم النشر، اللفّ أولاً قد يُلَفّ الشيء متعدّدًا الليل والنهار، حقف غصن غزال، ثم يأتي النشر، قد يكون الأول مجملاً لكنه متضمن لمتعدّد، كقوله تعالى: {وَقَالُواْ} الواو هنا في اللفظ هي شيء واحد لكنها دالة على متعدّد لأن المقصود به اليهود والنصارى {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} ... [البقرة: 111] تقدير الكلام وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، هذا يُسمَّى لفًّا ونشرًا، واللفّ هنا مجمل يعني الذي ذُكر أولاً مجمل لأنه دلّ عليه بالواو، أي: وقالت اليهود: لن دخل الجنة إلا من كان هودًا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى. فَلَفَّ بين الفريقين لعدم الإلباس الواو والثقة بأن السامع يردّ إلى كل فريق مقوله، يعني لا يحصل اللبس، لا يأتي آتٍ يقول: قالت النصارى لا يدخل الجنة إلا من كان هودًا. وقالت اليهود: لا يدخل الجنة إلا من كان نصارى؟ لا، لماذا؟ لما بينهما من عداوة، كل منهما يَدَّعِي أنه في الجنة ومقابله في النار، إذًا لا يمكن أن يختلف كأن وجه التسمية هنا الأول باللفّ أنه طوى فيه حكمه، لأنه اشتمل عليه من غير تصريح به، ثُمَّ لما صرَّح به في الثاني كأنه نشر ما كان مطويًّا فسُمِّيَ نَشْرًا.

(وَالاِسْتِخْدَامِ) استخدام طيب هذا مفيد جدًا في التفسير، وهو أن يراد بلفظ له معنيان أحدهما منصوص، ثم يأتي بضمير يعود على أحد المعنَيَيْنِ، يعني يأتي بلفظ له معنيان ثم يأتي ضمير يعود على أحد المعنَيَيْنِ، فالأول كقوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015