والقول بالْمُوجِبِ، بالْمُوجَبِ يجوز فيه الوجهان. وهذا يعتني به الأصوليون أكثر، وهو ضربان، القول بالموجِب ضربان: أحدهما أن تقع صفة في كلام الغير كناية عن شيء أثبت له حكم فتثبتها لغيره من غير تعرض لثبوته له وانتفائه عنه. يعني يتكلم متكلم فيأتي بصفة، ثم يُعلِّق عليها حكمًا يأتي المخاطَب والمتكلِّم الآخر فيأخذ هذه الصفة ويعلق عليها حكمًا آخر من غير تعرض للحكم الذي أثبته المقابل، لا بإثبات ولا بنفي، والمثال يوضح {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ} انظر عندنا حكم وعندنا وصف {الْأَعَزُّ} المتصف بالعزة رتب عليه حكم ما هو؟ الإخراج - انتبه شيئين - صفة وإخراج، {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} أخذ ماذا؟ الوصف، وسكت عن الحكم الذي هو الإخراج. قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} حينئذ هنا ماذا صنع؟ أخذ الصفة رُتِّبَ عليها حكم في كلام المنافق، ثم أثبتها للمقابل وهم المؤمنون لله ورسوله والمؤمنون، وسكت عن قضية الإخراج، لكن اللفظ يدل عليها باعتراف المنافق، لأن هذا أمر مُسَلَّم وهو أن الأعز يخرج الأذل، ولكن ماذا صنعوا؟ ادَّعُوا العزة فالحكم كما هم، فالأعز هو الذي سيخرج الأذل، وثبتت العزة لله ورسوله إذا هم الذين سيخرجون المنافقين، فالأعز صفة وقعت في كلام المنافقين كناية عن فريقهم، والأذل كناية عن المؤمنين، وقد أثبت المنافقون لفريقهم إخراج المؤمنين من المدينة، فأثبت الله تعالى تلك الصفة التي عَلَّقُوا عليها الحكم لغير فريقهم، وهو الله ورسوله والمؤمنون ردًّا عليهم ولم يتعرض لثبوت حكم الإخراج لمن أثبت لهم العزة ولا لنفيه عنهم، لأن الغرض هو إبطال دعواهم، إثبات الحكم المعلق على تلك الصفة لأنفسهم، بل اللفظ وإن سكت الرب جل وعلا عن إثبات الحكم إلا أنه دالّ عليه باعتراف المنافقين، لأنهم رتبوا حكم الإخراج على من ثبتت لهم العزة، وأثبتها الله تعالى له ولرسوله وللمؤمنين، إذًا هم الذين سيخرجون المنافقين من المدينة.
الثاني: حمل لفظ وقع في كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله بذكر متعلقه، وهذا ما يُسَمَّى بالأسلوب الحكيم، ومرّ معنا كما في قصة القبعثر مع الحجاج: (لأحملنك على الأدهم). قال: مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب إلى آخر ما مرّ معنا.
(وَالتَّجْرِيدِ). (وَالتَّجْرِيدِ) هذا الذي مر معنا أين؟ الأمس أين؟ أسأل بأين، .. نعم قلنا: مشاركة أمر لآخر تعريف التشبيه: مشاركة أمر لآخر في معنًى لا على وجه الاستعارة التحقيقية ولا على وجه الاستعارة بالكناية، وعرفنا المراد بالنوعين ولا على وجه (التَّجْرِيدِ)، وهو الذي معنا الآن.