(وَالمَعْنَوِيُّ) من وجوه تحسين الكلام أشار إلى كثير منها لأنها أهم، وفيها ما لا فائدة فيه كذلك، فقال: (وَالمَعْنَوِيُّ وَهْوَ) أي المعنوي ... (كالتَّسْهِيمِ) وذلك كالتسهيم، والمعنوي كالتسهيم، لو قال: كذلك لصار كالتسهيم خبر المعنوي لكن لما قال: (وَهْوَ) المعنوي عطفٌ على ... (لَفْظيٌّ) والمعطوف على المرفوع مرفوع، وهو أي المعنوي هذا مبتدأ ... (كالتَّسْهِيمِ) خبر لـ (هْوَ). (كالتَّسْهِيمِ) ويسمى الإرصاد عند القزويني: وهو أن يجعل قبل العجُز من الْفِقْرة وهي من النثر بمنزلة البيت من الشعر، أو البيت ما يدل عليه إذا عرف الرَّوْيّ يعني يجعل في أول الكلام ما يدل على آخره لكن بشرط أن يعرف الرَّوْي يعني الحرف الأخير، تعرف أن هذه مختومًا بالنون حينئذٍ {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. [العنكبوت: 40] يعني أنت تكمل الآية إذا علمت أولها هذا يسمى تسهيمًا. ومنه قوله:

إذا لم تستطع شيئًا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع

هذا يسمى تسهيمًا أن يُجْعَلَ قبل العجُز قبل ختام الكلام ما يدل على الخاتمة بشرط أن يُعْرَفَ الرَّوْي بأي شيءٍ كان، والجمع وهو أن يُجْمَعَ بين متعددٍ في حكمٍ، تأتي بمتعددٍ وتحكم عليهم بحكمٍ واحدٍ كقوله تعالى: ... {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46] حكم على ماذا؟ على متعددٍ، إن الشباب والفراغ والْجِدَى مفسدةٌ. حكم على متعددٍ بحكمٍ واحدٍ مفسدةٌ للمرء أَيَّ مفسدة (وَالتَّفْرِيقِ) وهو إيقاع تباين بين أمرين في المدح أو غيره، يعني تأتي بتقابل بين أمرين كلٌّ منهما له حكمه الخاص فتفصل كاسمه (التَّفْرِيقِ) تَفْرِق بينهما تذكر الأول وحكمه والثاني وحكمه: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] فصل بين متباينين وبَين حكم كلٍّ منهما، وهذا مثال غير المدح وفي المدح كقول الشاعر:

ما نوال الغمام وقت ربيعٍ ... كنوال الأمير يوم سخاء

فنوال الأمير بدرة عينٍ ... ونوال الغمام قطر ماء

ما نوال: أي الجود. الغمام: السحاب. وقت ربيعٍ: يعني زمن سلطان نزول الغيث، كنوال الأمير يوم سخاء: يعني يقارن بين عطاء السحاب وبين عطاء الأمير، يقول: الأمير يعطي درة عين وهذه كناية عن عشرة آلاف درهم، ونوال الغمام قطر ماء قد لا يستفيد منها شيء فيقارن بين الأمرين، فجعل هذا حكمًا وهذا حكمًا، وقد أوقع التباين بين نَوَالَيْنِ.

(وَالتَّقْسِيمِ) وهو ذِكْر متعددٍ، ثم إضافة ما لكلٍّ إليه على التعيين قول الشاعر:

ولا يقيم على ضيمٍ يراد به ... إلا الأذلان عير الحي والوتد

هذا على الذل مربوط برمته ... وهذا يشج فلا يرثِي له أحد

قسم ثم أبكى هذا على ذاك، [والقول بالموجب والقول بالموجب نعم]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015