وإيراد المعنى الواحد عرفننا أنواع الدلالة، إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في الوضوح لا يَتَأَتَّى بالوضعية التي هي دلالة اللفظ على تمام ما وُضِعَ له، فليس لها بحث في علم البيان ولا يتعلق بها العلم من أصله، وإنما إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة يكون في ماذا؟ في دلالة التضمن، وفي دلالة الالتزام. إذا الذي يُستعمل هنا في الأصل هو ما كان أحد أو أحد الدلالتين، لأن السامع إذا كان عالِمًا بوضع الألفاظ لذلك المعنى لم يكن بعضها عنده أوضح من بعض، وإن كان غير عالِمٍ بذلك لم يكن كل واحد من الألفاظ دالاً عليه لتوقف الفهم على العلم .. .
المراد هنا الخلاصة أن الوضعية الذي دلالة المطابقة لا بحث لها في علم البيان، وإنما يتعلق البيان بالدلالة العقلية وهي دلالة التضمن ودلالة الالتزام، ويتأتى بالعقلية لجواز أن تختلف مراتب اللزوم في الوضوح.
إذا علمت ذلك فاعلم كما قال الناظم هنا:
................. ... فِما بِهِ لاَزِمُ مَا وُضِعِ لَهْ
إِمَّا مَجَازٌ مِنْهُ الاستِعَارَةُ ... تُنْبِي عَنِ التَّشْبِهِ أَوْ كِنَايَةُ
أراد أن يبين علم البيان أنه منحصر في ثلاثة مقاصد، كما مرّ في علم المعاني منحصر في أبواب ثمانية، منحصر الأبواب في ثمانية هنا علم البيان منحصر في ثلاثة أبواب:
تشبيه هذا أولاً.
وثانيًا: المجاز.
وثالثًا: الكناية.
لا بحث له في غير هذه الأبواب الثلاثة، والأصل في بحثهم أنه منحصر في بابين المجاز والكناية، وأما التشبيه فالأصل أنه لا يُبحث فيه، لكن لما كان المبنى الاستعارة على التشبيه حينئذٍ بُحِثَ في التشبيه وذكرت أنواعه على جهة التفصيل.