الثلاثة هذه قالوا: وضعية. إذًا كلها وضعية عند أكثر المناطقة إن كان ثَمَّ خلافٌ بينهم. أما عند أهل البيان فيختلفون فعندهم ما يُسَمَّى بالوضعية التي يُقابلها المطابقية عند المناطقة هذه وضعية ولا إشكال فيها، بل هي متفقٌ عليها لأن البحث هنا تتناوله ثلاثِ أيدي أو ثلاثُ أيدي: الأصولي، والمنطقي، والبياني. ويختلفون في ما يُحكم على هذه الدلالة، فعند المناطقة الثلاثة وضعية، وعند البيانيين المطابقية وضعية والتضمنية التزام عقلية، وعند الأصوليين وهو الصحيح في المقامات الثلاث أن دلالة المطابقة والتضمن وضعية والالتزام عقلي. وهذا المرجح في جميع الفنون. إذًا المسألة واحدة والحكم واحد والدليل واحد فلا اختلاف باختلاف الفنون، ولذلك هنا قال: عقلية. لماذا هي عقليةٌ عندهم عند البيانيين؟ لأن دلالته عليهم أي دلالة اللفظ على الجزء وعلى اللازم الخارج إنما هو من جهة العقل، يعني: العقل له مدخلٌ، فلما كان العقل له مدخلٌ في ذلك حينئذٍ سميت عقلية، فالعقل يحكم بأن حصول الكل والملزوم في الذهن يستلزم حصول الجزء واللازم، الكل الذي هو مدلول اللفظ، إذا حصل أولاً في الذهن حكم العقل بالجزء، وإذا حصل الملزوم الذي هو معنى اللفظ حينئذٍ دل العقل على اللازم، فالوصول من الكل إلى الجزء هذا حصل بالعقل لأنك أطلقت اللفظ والمراد به الكل في لسان العرب. الإنسان المراد به حيوانٌ ناطق هذا أصلٌ، إذا أطلقت الإنسان فالأصل فيه أنه ينصرف إلى الحيوان الناطق فإذا أردت بعضه فالعقل الذي خصصه. إذًا العقل له مدخلٌ. إذا أطلقت الأربعة فالمراد به المعنى الموضوع المعدود حينئذٍ إذا توصلت به بهذا اللفظ إلى الزوجية فالعقل هو الذي حكم. إذًا لما كان العقل وسيلةً في التوصل من الكل إلى الجزء ومن الملزوم إلى اللازم حينئذٍ سميت عقلية، فالعقل يحكم بأن حصول الكل الذي هو مدلول اللفظ المطابق بالأصل، والملزوم في الذهن يستلزم حصول الجزء واللازم فيه أيضًا، وشروط الالتزام هنا - لأنها عقلية - أن يكون الملزوم ذهنيًا، فاتفقا مع المناطقة بأن يكون الملزوم ذهنيًا، أما الذي يكون في الخارج كالسواد للغراب فليس بمراد، ولو باعتقاد المخاطب، ولا يُشترط أن يمنع العقل انفكاكه كما اشترطه المناطقة، فاللازم عند البيانيين ليس هو كاللازم عند المناطقة، يعني: ثَمّ افتراقٌ في الاصطلاحات بين الطائفتين، لا يُشترط أن يمنع العقل انفكاكه. مر معنا أن اللازم هو ما يمنع العقل انفكاكه، ما يمنع العقل انفكاكه هذا هو اللازم، هل هذا هو المراد عند البيانيين إذا أطلقوا اللازم؟ الجواب: لا، لا يُشترط هذا، كما اشترطه المناطق وإلا لخرج كثير من معان المجازات والكنايات من أن تكون مدلولات التزامية، ولَمَا تَأَتَّى الاختلاف بالوضوح بدلالة الالتزام أيضًا. العقلية المراد بها عند البيانين هي دلالة التضمن ودلالة الالتزام.