فعلم البيان علمٌ يعرف به إيراد المعنى الواحد - انتبه - إيراد المعنى الواحد يعني أنت عندما تتكلم تورد تنطق تلفظ المعنى الواحد المدلولِ عليه بكلامٍ مطابقٍ لمقتضى الحال بطرقٍ مختلفةٍ في إيضاح الدلالة عليه، بأن يكون بعض الطرق واضحة الدلالة وبعضها أوضح. قال الطيبي: مثال ذلك أنَّا إذا أردنا إيراد معنى قولنا: زيدٌ جوادٌ وأردنا مثلاً فنقول: في طرق التشبيه لأن مقاصد هذا العلم محصورة في التشبيه والمجاز والكناية، وإن كان التشبيه داخلاً أو خارجًا في الأصل وإنما احتيج إليه لكون الاستعارة مبنيةً على التشبيه، فلو أردنا أن نأتي بـ زيدٌ جوادٌ بطرق التشبيه ماذا نقول؟ نقول: زيدٌ كالبحر في السخاوة، زيدٌ مشبه كالبحر الكاف حرف تشبيه والبجر مشبهٌ به في السخاوة هذا وجه الشبه، هذا طريق، نفس المعنى نأتي به بطريقٍ آخر بتركيبٍ آخر بكلامٍ آخر فنقول: زيدٌ كالبحر، نحذف ماذا؟ وجه الشبه، زيدٌ بحرٌ حذفنا وجه الشبه والأداة، هذه ثلاث طرق لمعنًى واحد وهو كون زيدٍ جوادًا هل المعنى اختلف؟ لا. وإنما هو معنى واحد، ولذلك قلنا: إيراد المعنى الواحد هذا مراد، ثم يؤتى به بعدة طرق، إن كان بالتشبيه فله ما ذكره هنا، وفي طرق الاستعارة زيدٌ جوادٌ ماذا نقول؟. نقول: رأيت بحرًا في الدار، حذفنا الكاف، وتقول: لُجَّةُ زيدٍ كَثُرَتْ. وتقول: لُجَّةُ زيدٍ متلاطمٌ أمواجها. هذا بوجوه الاستعارة الآتي بيانها إن شاء الله تعالى، فحينئذٍ زيدٌ جوادٌ جئنا به المعنى واحد واختلفت الطرق في التعبير عنه بنوع الاستعارة وهي نوعٌ من أنواع المجاز كما سيأتي، وفي طرق الكناية زيدٌ جوادٌ ماذا نقول؟ زيدٌ مضيافٌ، زيدٌ جوادٌ مضيافٌ، مضيافٌ ماذا يقدم؟ زيدٌ كثيرٌ أضيافه هذا نوعٌ آخر، زيدٌ كثيرٌ رماده، الرماد يعني الطبخ، إن الرماد كثيرٌ بساحة زيد، المعنى واحد انظروا العبارات مختلفة، إن الجود في قبةٍ ضربت على زيدٍ، إنه مصورٌ من الجود، كأنه خلق من الجود، هذا في غاية ما يمكن أن يُعبر. انظر المعنى واحد زيدٌ جوادٌ جئت به بعدة طرق في التشبيه وبالاستعارة وفي الكناية هذا المراد بإيراد المعنى الواحد وهو كون زيدٍ جوادًا بطرقٍ مختلفة وكلها واضحة بمعنى أن الدلالة تفهم من التركيب نفسه ولكلٍ وجهةٌ كما سيأتي بيانه. فظهر أن مرجع البيان إلى اعتبار المبالغة بإثبات المعنى الشيء هكذا قال الطيبي، وهذا هو الصحيح أن علم البيان كله تشبيه ومجاز والكناية مبناها على المبالغة. إذًا فظهر أن مرجع البيان إلى اعتبار المبالغة بإثبات المعنى للشيء.
إذًا لمٌ يعرف به إيراد المعنى الواحد المدلولِ عليه بكلام المطابق لمقتضى الحال بطرقٍ مختلفة في إيضاح الدلالة عليه بأن يكون بعض الطرق واضح الدلالة وبعضها أوضح.
قوله: (وَاضِحَةَ الدِّلالَةْ) أو الدَّلالة الدُّلالة مثلثة الدال كما مرّ معنا، وإن كان الضم رديء المشهور الدِّلالة والدَّلالة بالكسر والفتح، والدُّلالة سمع لكنه رديء كما قال الأمين في مقدمته، ولَمَّا لم تكن كل دَلالةٍ قابلةً للوضوح والخفاء احتيج إلى تقسيمها.