إذًا (فِي كَوْنِهَا) الضمير يعود إلى الطرق، و (وَاضِحَةَ الدِّلالَةْ) هذا يشتمل نوعين: ما كان واضحًا في نفسه وباعتبار مقابله الأوضح قد يكون فيه شيءٌ من الخفاء، حينئذٍ واضح الدلالة يدخل فيه ما هو أوضح من بابٍ أولى، فإذا اشترط الوضوح فالأوضح من بابٍ أولى وأحرى فيشمل النوعين، ولا نحتاج أن نقول: في الخفاء والوضوح لأنه محتمل إذا كان الخفاء مقابل الوضوح فهو غَلَطٌ لأنه ركيك والركيك لا يكون من مسائل هذا العلم، وإن كان في مقابل الأوضح فيعبر عنه بالوضوح هذا الأصل فيه، فخرج حينئذٍ من التعريف معرفةُ إيراده بطرقٍ مختلفةٍ في اللفظ والعبارة فقط، بأن يريده بألفاظٍ مترادفة مثلاً نقول: هذا ليس من علم البيان. فلا يكون ذلك من علم البيان، والمراد بالمعنى الواحد كل معنًى يدخل تحت قصد المتكلم فلو عرف أحدٌ إيراد معنى قولنا: زيدٌ جوادٌ مثلاً زيدٌ جوادٌ بطرقٍ مختلفة لم يكون بمجرد ذلك عالمًا بالبيان، يعني إذا عرف بأن زيد جوادٌ يؤتى به بطرقٍ مختلفة لكنه ليس أهلاً لإنشاء هذه الطرق، حينئذٍ لا يكون من أهل البيان، لماذا؟ لأنه يُشْتَرَط في هذا العلم كما اشتُرِطَ في العلم السابق الْمَلَكَة، وكما اشْتُرِطَ في من يتصف بالبلاغة بليغ، ومن يتصف بالفصاحة فيقال: فصيح، لا بد أن تكون عنده مَلَكَة، فإذا انتفت الْمَلَكَة فحينئذٍ لا يكون بلاغيًا، كما أنه لا يكون كذلك من عَرَفَ إيراد كل معنًى يدخل في قصد المتكلم وليست له مَلَكَة كالعربي المتكلم بالسليقة، هذا داخل ولا شك أنه داخل، لماذا؟ لأن هذه اصطلاحات عرفيه يعني: نشأت بعد أن لم تكن، فوجدت اللغة بصنوفها وأنواع علومها - اللغة العربية - وكان أهلها عالمين بها، بل هم أهلها وهم المرجع في ذلك، حينئذٍ لما استقرت هذه المصطلاحات لا يمكن أنَّنَا نخرج أولئك الأقوام الذين تعلمنا منهم اللغة لمجرد عدم علمهم بهذه الاصطلاحات، بل هم أهلها وذاك نحويٌ، وذاك بيانيٌ، وذاك صرفيٌ، ولو لم يعلم الاصطلاحات، كما نقول: ذاك أصوليٌ ولو لم يكن على علمٍ بالاصطلاحات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015