(طُرُقُه) (إيرَادُ مَا) أي الذي معنى (طُرُقُه تَخْتَلفُ) يعني طرق هذا المعنى الواحد تختلف، (طُرُقُه) جمع طريق والمراد هنا التراكيب ط (طُرُقُه) جمع فُعُل والمراد هنا التراكيب والعبارات الموصلة إلى المقصودِ، عَبَّر عن التراكيب والعبارات هنا بالطرق مجازًا لعلاقة الإيصال، فالطريق الحسي يُوصل إلى المقصود، والكلام والعبارات توصل إلى المقصود، إذًا (طُرُقُه) أي تراكيبه، (تَخْتَلفُ) أي مختلفة، (طُرُقُه) الضمير يعود إلى (مَا) يعني الطرق التي يُحَصَّلُ بها هذا المعنى الواحد (تَخْتَلفُ). إذًا المعنى متحد والطرق التي هي تراكيب الكلام مختلفة، هذا يُسمى ماذا؟ يسمى علم البيان. (تَخْتَلفُ) هي أي الطرق، أي مختلفة، فالجملة صفة للطرق، واختلافها كما بينه هنا بالتعريف (فِي كَوْنِهَا وَاضِحَةَ الدِّلالَةْ)، (فِي كَوْنِهَا) أي في كون هذه الطرق التي يعبر بها عن المعنى الواحد واضحة الدلالة على ذلك المعنى، والمراد به كما سيأتي الدلالة العقلية عليه، بأن يكون بعض الطرق واضح الدلالة وبعضها أوضح، يعني من باب واضح وأوضح كصحيح وأصح. إذًا كلها مشتركة بقدرٍ واحدٍ فليس عندنا هنا خفاء يقابل الوضوح، بعضها واضح الدلالة وبعضها أوضح، ولا شك أن الواضح خفيٌ بالنسبة إلى الأوضح، الواضح من حيث هو بالنسبة إلى الأوضح فيه شيءٌ من الخفاء فلذلك لم يحتج أن يقول - يعني المعرف - في الإيضاح والخفاء، السَّكَّاكِيّ لما عرف البيان قال: علمٌ بِهِ. كما قال هنا: يُعَرَّفُ إيرَادُ مَا طُرُقُه تَخْتَلفُ فِي الخفاء والوضوح. جاء بكلمة الخفاء وهذا قالوا: أنه غلط منه، غُلِّطَ في ذلك، بكل كلها واضحة، إن أراد بالخفاء الذي هو الواضح في مقابلة الأوضح صح، وإن كان الخفاء في مقابلة الواضح غُلِّطَ في ذلك، لأن الخفي هذا ليس مشتملاً على بلاغة الكلام فانتفى به ركنٌ من أركان الكلام الذي يُعَبَّرُ عنه بالبلاغة، فلذلك لم يحتج أن يقال: في الإيضاح والخفاء كما فعله السكاكي، بل لا يصح إرادة الخفاء، لا يصح هنا البتة، لماذا؟ لأن ما ليس بواضح إذا كان الخفي في مقابلة الواضح ما ليس بواضح أصلاً ليس طريقًا لطيفًا فلا يكون مقامًا بيانيًا انتفى عنه علم البيان، فلا يكون مقامًا بيانيًا ولا فصيحًا، فليس إيراد المعنى الركيك بلفظ الركيك من مسائل هذا العلم، لأن الخفاء ملازمٌ للركيك، فإذا كان كذلك فالمعنى الركيك الذي يؤدَّى بلفظ الركيك هل هو من مسائل هذا العلم؟ الجواب: لا، ولا من العلم الماضي لأنه يشترط في ما سبق مطابقته لمقتضى الحال وأن يكون فصيحًا، ولا يكون فصيحًا إلا إذا سلم من التعقيد اللفظي والتعقيد المعنوي .. إلى آخر ما مضى، وإنما الكلام في طرقٍ واضحة بعضها أوضح من بعضٍ.