قيل: لكون المقصود بالذات في هذا العلم هو العلمان المذكوران المعاني والبيان، هما المقصودان لا شك لأن هذا الأصل هذا هو الأصل، وعلم البديع كالتتمة لكونه لا مدخل له في البلاغة، إذًا لم يذكره لعدم أهميته، لأن الأساس هو علم المعاني والبيان، الذي يقوم به البنيان مثلاً، وعلم البديع كالتشطيب إن صح التعبير، فحينئذٍ نقول هذا كالتتمة، والأصح أن يقال هنا: لم يذكر البديع بناءً على ما ذكره صاحب ((الإيضاح)) القزويني رحمه الله تعالى في إيضاحه حيث قال: " وكثيرٌ من الناس يُسمي الجميع علم البيان، وبعضهم يُسمى الأول علم المعاني، والثاني والثالث علم البيان، والثلاثة علم البديع ". ولذلك ابن المعتز من أوائل من صنف، صنَّف كتابًا أسماه ((البديع)) يشمل الثلاثة الفنون: المعاني، والبيان، والبديع، الذي هو الخاص وليس المراد كتاب ابن معتز ((البديع)) البديع الخاص العلم الخاص الذي هو مقابل المعاني والبيان، لا، إنما أراد به الثلاثة الفنون.
فالظاهر أن الناظم هنا مشى على القول بأن البيان يُطلق على الثاني والثالث.
وقوله: (عِلْمَيِ الْبَيَانِ وَالمَعَانِي) يُشير لذلك لماذا؟
لأن تخريجه على قول (عِلْمَيِ الْبَيَانِ وَالمَعَانِي) ونقدر علم المعاني، حينئذٍ ذكر ثلاثة أو لا؟ لو قلت هكذا: علميِ البيان وعلم المعاني، هل دخل البديع؟
دخل البديع، لأن البيان يشمل البيان الخاص والبديع، فإذا قلت: ... (عِلْمَيِ الْبَيَانِ) المراد به البيان الخاص، والبديع، (وَالمَعَانِي) أي: علم المعاني حينئذٍ يكون نص على الثلاثة وأشار إليه بهذا، [فالمراد $]، وقوله (عِلْمَيِ الْبَيَانِ وَالمَعَانِي) يُشير إلى ذلك لأنه ثنى العلم فكأنه قال: علمي البيان الذين هما البيان والبديع، وعلم المعاني، فالمراد بالبيان ما يعم البديع تغليبًا للثاني على الثالث، وهو كثيرٌ في كلام الزمخشري في كشافه كما ذكره المرشدي عنه.
وفي قول الناظم (لَطِيفَةَ المَعَانِي) مع ما قبله و (المَعَانِي) الجناس التام يعني: نوعٌ من أنواع البديع لأنه قال ماذا؟
فِي عِلْمَيِ الْبَيَانِ وَالمَعَانِي ... أَرْجُوزَةً لَطِيفَةَ المَعَانِي
المعاني المعاني مصراع على الأول ومصراع على الثاني، هل هما متحدان؟
في اللفظ نعم، وفي المعنى لا، لأن المراد بالأولى المعاني المراد بها العلم الخاص، والمعاني الثانية جمع، فالأولى مفرد والثانية جمع، ومراد الناظم إلى الأولى غير مراده من الثانية، إذًا اتحدا في اللفظ واختلفا في المدلول والمعنى، وحينئذٍ نقول: هذا يسمى جناسًا تامًا.
فالمراد هنا حينئذٍ على ما ذكرنا لا يَرِد اعتراض من اعترض بأنه لم يذكر البديع.