ثم قال الناظم: (أَبْيَاتُهَا). أي: الأرجوزة، أي عدد أبياتها جمع بيتٍ (عَنْ مِائَه) أي: مائة بيتٍ، التنوين هنا عوضٌ عن المضاف إليه، فالتنوين عوضٌ عن مضاف (لَمْ تَزِدِ) وهذا على القول بأن البيت اسمٌ للمصراعين، وهذا هو الصحيح، وأنها من كامل الرجز لا من مشطوره. (أَبْيَاتُهَا) أي: أبيات الأرجوزة (لَمْ تَزِدِ) عن مائة، وقوله: (أَبْيَاتُهَا) مبتدأٌ على حذف مضاف أي عدد أبياتها، لأن (مِائَه) هذا شيءٌ معدود، فحينئذٍ لا بد من التقدير، لكن هذا التقدير ليس من أجل الإعراب، وإنما من أجل المعنى، قد يكون المقدر يقدر لأجل صحة الإعراب، كقولك الحمد لله، لله لا يصح أن يكون خبرًا فلا بد أن يكون ثَمَّ محذوفًا، لله ثابتٌ لله، إذًا التقدير هنا من أجل صحة الإعراب، وقد يكون التقدير من أجل صحة المعنى، وهذا لا مدخل له في الإعراب وإنما مدخله في حل البيت.

إذًا (أَبْيَاتُهَا) مبتدأٌ والضمير هنا عاد إلى (أَرْجُوزَةً)، وهو مبتدأٌ على حذف مضاف و (عَنْ مائةٍ) متعلق بقوله: (تَزِدِ). وجملة (لَمْ تَزِدِ) بتحريك الدال من أجل الوزن، فعل مضارع مجزومٌ بـ (لَمْ) وجزمه سكون مقدرٌ على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الروي، (لَمْ تَزِدِ) هي أي: الأبيات ولذا أنث الفعل لأنه جمعٌ، والجمع كل جمعٍ مؤنث كما قال الزمخشري، والجملة خبر المبتدأ.

(فَقُلْتُ غَيْرَ آمِنٍ مِنْ حَسَدِ) (فَقُلْتُ) الفاء هذه فصيحة فاء فصحية، كأنه قيل له ماذا نظمت في علمي البيان والمعاني؟ ما هي هذه الأرجوزة؟

قال: (فَقُلْتُ) حال كوني (فَقُلْتُ) هذا النظم المذكور حال كوني (غَيْرَ آمِنٍ) اسم فاعل من أَمِنَ كعَالِم من عَلِمَ وهو من باب فَعِلَ، والأمن ضد الخوف (غَيْرَ آمِنٍ) أي: خائف (مِنْ حَسَدِ) حاسدٍ، والحسد تمني زوال النعمة عن المحسود، لماذا خشي على نفسه من الحسد؟

لأنه نظم أهم المسائل في هذا الفن في مئة بيت، وهذا فيه تحدٍ لغيره؟

لأنه نظم في مئة بيتٍ فهو مع قلة عدد أبياته إلا أنه استوفى أهم مسائل علمي المعاني والبيان، فهو خائفٌ من أن يَحْسُدُه حاسدٌ على هذا العمل الذي قَلَّ فيه نظراءه، والله أعلم.

وصلًّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015