فالأحكام الشرعية لا تناط بالذوات والأعيان وإنما تتعلق بأفعال المكلفين فلا بد هنا من محذوف وهو يحتمل، يحتَمل ماذا؟ التناول الأكل النظر المس البيع غير ذلك، والمقصود الأظهر من هذه الأشياء المحتملة في الآية تناولها يعني أكلها، فدل على تعيين المحذوف أُخِذَ من السياق، وأما كونه محذوفًا هذا أُخِذَ من العقل.
ثم قال:
وَجَاءَ لِلتَوشِيعِ بِالتَّفْصِيلِ ... ثَانٍ وَالاعْتِرَاضُ وَالتَذْيِيلِ
(ثَانٍ) يعني الإطناب [أحسنت] قَسَّمَ لك أولاً الإيجاز، ثم أراد أن يبين أغراض الإطناب، (وَجَاءَ) (ثَانٍ)، (وَجَاءَ) هذا فعل ماضي (ثَانٍ) هذا فاعله (وَجَاءَ) (ثَانٍ) أي الإطناب، لأمور إما الإيضاح بعد الإبهام كقوله تعالى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25]. فإن قوله: ... {اشْرَحْ} يفيد طلب شرح شيء ما له {رَبِّ اشْرَحْ} ما هو الذي طُلِبَ شرحه؟ لما جاء {صَدْرِي} فَسَّرَهُ. أولاً فيه إيهام لقوله {اشْرَحْ} ما الذي طُلِبَ شرحه؟ لَمَّا جاء {صَدْرِي} صار فيه تفسير ومثله {وَيَسِّرْ لِي} ما هو؟ {أَمْرِي} [طه: 26] إذًا جاء الإيضاح بعد الإبهام، والتوشيع وأشار إليه بقوله: (وَجَاءَ لِلتَوشِيعِ بِالتَّفْصِيلِ). وهو في اللغة لَفّ القطن المندوف واصطلاحًا أن يُؤْتَى في عجز الكلام بمثنى مفسر باسمين ثانيهما معطوف على الأول، يعني يأتي في آخر الكلام بمثنى مجمل، ثم يأتي تفصيله «يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان». هذا إبهام، ثم جاء ... «الحرص وطول الأمل». إذًا يُسمى ماذا؟ يسمى توشيعًا، لذا قال: ... (بِالتَّفْصِيلِ). يعني يفصل المثنى باسم معطوف على آخر بعد الإبهام، وهذا فيه تشويق، فَفَسَّرَ الخصلتين باسمين عطف أحدهما على الآخر، ولو أراد الإيجاز والاختصار لقيل: يشب فيه الحرص وطول الأمل هذا ابتداءً مباشرةً لكنه أراد التشويق هذا هو الأصل في الإطناب، يعني يشوق يشب وفيه خصلتان تتوجه النفس وما هاتان الخصلتان؟ إذا جاء الجواب كان أكمل، لكنه أَبْهَمَ ثُمَّ وَضَّحَ للعلة الذي ذكرناها.