يسير الباب نأتي عليه (الْبَابُ الثَّامِنُ) وهو خاتمة الأبواب الثمانية التي انحصر فيها علم المعاني، وهو: (الإِيجَازُ وَالإِطْنَابُ). هذا هو الباب الثامن، وهو باب عظيم حتى نقل صاحب ((سر الفصاحة)) عن بعضها أن البلاغة هي الإيجاز والإطناب كما قيل في الوصل والفصل، (الإِيجَازُ وَالإِطْنَابُ) هي البلاغة ولم يذكر الناظم المساواة، (الإِيجَازُ وَالإِطْنَابُ) ولم يذكر المساواة هذه مما يستدل بها على أن الناظم لم ينظم ((التلخيص)) لأن ((التلخيص)) ذكر المساواة جعلها أصل، مساواة وإيجاز وإطناب، وهنا أسقط المساواة، ولم يذكر المساواة للعلم بها مما ذكره في حد (الإِيجَازُ وَالإِطْنَابُ). هذا إذا أردنا أن نجعل النظم صار على ما صار عليه الكثير من البيانيين، وإن رأينا أنه جنح إلى رأي ابن الأثير أن المساواة لا وجود لها، إما إيجاز، وإما إطناب. حينئذٍ نقول: خالف كثيرًا من البيانيين. وأيضًا لقلة الأبحاث المتعلقة بالمساواة لم يذكرها، الإيجاز والإطناب والمساواة هذه ثلاثة أبحاث، لماذا انقسمت إلى ثلاثة ألفاظ لمعانيها؟ لأن المقبول من طرق التعبير إذا تكلم المتكلم ليس كل ما تكلم به يكون مقبولاً، وإنما المقبول قالوا: إما أن يعبر عن المراد تأدّية أصله بلفظ مساوٍ له، فالمقبول من طرق التعبير عن المراد إما أن يكون بتأدّية أصله بلفظ مساوٍ له، أو ناقص عنه وافٍ، أو زائد عليه بفائدة، يعني إذا تكلم متكلم اللفظ والمعنى:

إما أن يكون متساويين.

وإما أن يكون أحدهما زائد على الآخر.

وإما أن يكون ناقصًا.

فالمساوي هو المساواة، والناقص هو الإيجاز، والزائد هو الإطناب.

فالمقبول من طرق التعبير عن المراد تأدية أصله بلفظ مساوٍ له تأدية أصل يعني المعنى أصل المراد بلفظ مساوٍ له، يعني اللفظ والمعنى متساويان ليس أحدهما أزيد من الثاني.

أو ناقص عنه وافٍ، يعني اللفظ ناقص عن المعنى والمعنى كثير هذا يُسمى الإيجاز.

أو زائد عليه بفائدة، وهذا يسمى الإطناب.

فالأول المساواة، والثاني الإيجاز، والثالث الإطناب.

فالمساواة نحو قوله تعالى مثَّلَ لها الناظم ولا يذكرها {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] والمثال هذا فيه كلام لكن من باب المثال فقط {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} قالوا: فإذا تأملت الآية وجدتها منطبقة على معانها من غير زيادة ولا نقصان. إذًا المساواة هي في حقيقتها تأدية أصل المعنى بلفظ مساوٍ له لفائدة، والمثال هو المذكور، وأشار الناظم إلى تعريف ما بوب له وهو الإيجاز والإطناب بقوله: (تَوْفِيَةُ المُرَادِ بِالنَّاقِصِ مِنْ ** لَفْظٍ لَهُ الإِيجَازُ)

ما هو الإيجاز؟ (تَوْفِيَةُ المُرَادِ) يقال: وَفَى الشيء يَفِي وُفِيًّا على فُعُولٍ أي تم وكثر. وأَوْفَى على الشيء وأَوْفَاه حقّه ووَفَّى تَوْفِيَةً بمعنى أنه أعطاه. إذًا (تَوْفِيَةُ المُرَادِ) يعني إعطاء المراد الذي هو المعنى، والمراد به أصل المعنى (تَوْفِيَةُ المُرَادِ) أي توفية المعنى المقصود من اللفظ. (بِالنَّاقِصِ) يعني باللفظ الناقص، عنه عن أصل المراد إذًا عندنا أمران:

أصل المراد وهو المعنى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015