وعندنا ما يُعَبَّرُ أو ما يُعَبِّرُ عن أصل المعنى.
الأول هو المقصود، والثاني هو اللفظ، إن أُدِّيَ المعنى الذي هو أصل المراد بلفظ ناقص وكان المراد أكثر من حيث المعنى فهو الإيجاز، باللفظ الناقص عنه أي: عن أصل المراد بـ (لَفْظٍ لَهُ) كما قال الناظم، والضمير في قوله: (لَهُ) يعود إلى المراد.
(الإِيجَازُ) يعني هو الإيجاز، وهو لغةً التقصير ضد التطويل، فهو هنا بمعنى الاختصار، فالإيجاز عُرْفًا تَأْدِيَةُ أصل المعنى بلفظ ناقص وافٍ لفائدة، أو التعبير عن المقصود بلفظ ناقص عنه وافيًا به، بمعنى أنه يشترط أن يكون اللفظ ناقصًا لكن لا يخل بالمعنى، فإن خل بالمعنى هذا خرج عن كونه فصيحًا، الكلام في لفظ وجيز يؤدى به معنى كثير دون خلل في المعنى.
(وَالإِطْنَابُ إِنْ بِزَائِدٍ عَنْهُ)، (وَالإِطْنَابُ إِنْ) أُدِّيَ أصل المعنى المراد بلفظ زائد عنه، (وَالإِطْنَابُ إِنْ) أين فعل الشرط؟ نقول: محذوف دل عليه ما سبق (إِنْ بِزَائِدٍ عَنْهُ) إن أُدِّيَ أصل المعنى المراد (بِزَائِدٍ) أي بلفظ زائد (عَنْهُ) يعني عن المراد. بلفظ زائد (عَنْهُ) أي عن المراد. فهو تأدية أصل معنى المراد بلفظ زائد عنه. فيكون اللفظ أكثر من المعنى، لكن لا بد من فائدة وإلا صار حوشًا، أو التعبير عن المقصود بلفظ زائد عليه لفائدة، فخرج بقوله بتعريف الإطناب بفائدة التطويل وهو المسمى بالإكثار، وهو أن يكون اللفظ زائدًا على أصل المعنى لا لفائدة، ويكون الزائد غير متعين كما في قول الشاعر:
وألفى قولها كذبًا ومَيْنَا
كذبًا ومينًا ما الفرق بينهما؟ المين هو الكذب، والكذب هو المين، ليس فيه زيادة لمعنى، وإنما هي زائدة دون، لكن لا يُعَيَّن بأن الزائد هو كذبًا أو مينًا، وإنما هنا غير معين، فيه زائد لكن لا نحكم به، لأن الذي يحكم هو المتكلم، فإن الكذب هو المين فلا فائدة من الجمع بينهما.
وخرج الحشو وهو الزائد المتعين، يعني: الإطناب يُشترط فيه الفائدة، احترزنا عن ماذا؟ عن التطويل، والتطويل هو زيادة لكنها غير متعينة مثل كذبًا ومينًا، واحد منهما زائد لكن ما ندري ما هو؟ الحشو زيادة لكنها متعينة، نعرف أن هذه الكلمة هي الزائدة، فخرج الحشو وهو الزائد المتعين. من قول الشاعر:
واعلم علم اليوم والأمس قبله
ما الفائدة من قبله، الأمس دل عليه، الأمس لا يكون إلا قبلاً، الأمس قبله، إذًا قبله نقول: هذا زائد وهو حشو، فإن قوله: قبله. زائد مستغنًى عنه.
ثم قسم الإيجاز إلى نوعين فقال: (وَضَرْبَا الأَوَّلِ). الألف هذه وَضَرْبَ الأَوَّلِ، قصر، مبتدأ مرفوع بالابتداء، ورفع الألف، والنون حذفت للإضافة (وَضَرْبَ الأَوَّلِ) بدليل قال: (الأَوَّلِ). عرفنا أن الأول مضاف والثاني مضاف إليه (وضربان:
(وَضَرْبَا الأَوَّلِ ** قَصْرٌ وَحَذْفُ جُمْلَة أَوْ جُمَلِ) دل على أن الإيجاز نوعان، ثم شرع في بيانهما، ثم قسم الإيجاز إلى نوعين فقال: (وَضَرْبَا الأَوَّلِ) أي الإيجاز. (قَصْرٌ) أي إيجاز قصر. (وَحَذْفُ جُمْلَة) .. إلى آخره أي إيجاز حذف.
إذًا الإيجاز نوعان:
إيجاز قصر.
وإيجاز حذف.