وفي قصر الصفة على الموصوف أنه متى قيل: مَا شَاعِرٌ. فأُدْخِل النفي على الوصف الْمُسَلَّم ثبوته يعني: متفق على أن هذا الوصف مُسَلَّمٌ لكن محله زيد أو عمرو؟ هو الذي وقع فيه النزاع، فأُدْخِلَ النفي على الوصف الْمُسَلَّم ثبوته أعني الشعر لغير من الكلام فيهما كزيد وعمرو مثلاً، توجه النفي إليهما، إذا كان الحديث أو المقام يقتضي أن يكون بين ذاتين والمراد بهما زيد أو عمرو حينئذٍ مَا شَاعِرٌ توجه النفي إلى وصف زيد بالشاعرية أو وصف عمرو بالشاعرية، فإذا قلت: إِلا زَيْدٌ. حينئذٍ أخرجت عمرًا فقصرت الحكم على زيد. فإذا قيل: إلا زيد. جاء القصر (طُرُقُهُ النَّفْيُ وَالاِسْتِثْنَا هُمَا) طريق واحد لا اثنين هذا هو الطريق الأول وهو أقواها في القصر هو هذا النوع، ولذلك جاء لا إله إلا الله، جاءت على أعلى درجات القصر، لا معبود بحق إلا الله، وكل ما يأتي ما عداها في القرآن فإنما يكون مرتبة ثانية {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ} [طه: 98] إله واحد، هو حصر وقصر لكنه ليس في القوة كـ لا إله إلا الله، (وَالْعَطْفُ) هذا النوع الثاني أي: ومن طرق القصر العطف بلا أو بل، هذا المراد به هنا (بل، لا) فكقولك في قصر الموصوف على الصفة إفرادًا. زَيْدٌ شَاعِرٌ لا كَاتِبٌ، هنا قصر الموصوف على الصفة [وقلبًا] إفرادًا وقلبًا زَيْدٌ قَائِمٌ لا قَاعِدٌ لمن يعتقد العكس، فإن لا العاطفة نفت في الأول الكتابة عن زيد وقد أثبتت له الشعر أولاً، فحصلت قصر زيدٍ أي: حبسه على الشعر وعدم مجاوزته للكتابة، زَيْدٌ شَاعِرٌ لا كَاتِبٌ، لا أثبتت ونفت، أثبتت ماذا؟ الشاعرية لزيد، ونفت عنه وصف الكتابة. وفي الثاني زَيْدٌ قَائِمٌ لا قَاعِد نفت لا القعود عنه، زيد قائم لا قاعد نفت عنه القعود، وقد أثبتت له القيام أولاً قبل النفي وحَصَّلَت قصره على القيام وقلبت اعتقاد المخاطب كونه قاعدًا. ومثل لا بل، فقولك: بقصر الموصوف على الصفة إفرادًا: مَا زَيْدٌ قَائِمًا بَلْ قَاعِدٌ. هي حصر وقلبًا: ما عمرو شاعر بل زيد. وتقول في قصر الصفة على الموصوف إفرادًا وقلبًا في العطف بـ لا: زيد شاعر لا عمرو. لمن اعتقد أن عمرًا شاعر لا زيد فيكون قصر إفرادٍ، أو اعتقد أن عمرًا شاعر لا زيد فيكون قصر قلب يعني: باعتبار المخاطب، إن كان المراد به قلب حينئذٍ صار قصر قلب، إن كان فيه تشريك فحينئذٍ صار قصر إفرادًا. وتقول في قصر الصفة على الموصوف إفرادًا في العطف بـ بل: لَيْسَ عَمْرًا شَاعِرًا بَلْ حَامِدٌ هنا نفيت ما قصرت الصفة على الموصوف وقلبًا: ما زيد قائمًا بل قاعد.
إذًا العطف بـ لا أو بـ بل في النوعين قصر الصفة على الموصوف أو قصر الموصوف على الصفة يعتبر طريقًا من طرق القصر، وتبين المسائل كما مضى.