وتحقيق القصر في قصر الموصوف على الصفة هنا في ما وإلا كيف جاء القصر؟ كيف جاء التخصيص؟ ما وجهه؟ قالوا: أنه إذا قيل مثلاً: مَا زَيْدٌ. قبل أن تقول: إِلا قَائِمٌ لو قلت: مَا زَيْدٌ. توجه النفي هنا إلى أي شيء؟ عندنا أمران إما ذات زيد، وإما صفة زيد. الذوات لا تنفى، وإنما الذي ينفى أوصاف الذوات، ولذلك {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] يعني نكاحًا لأن لا يتعلق تحريم بالذوات، فـ مَا زَيْدٌ هنا احتمالان أن الذي ينفى الذوات. قلنا: هذا ممتنع. بقي ماذا؟ بقي الصفة. من الصفات ما هو متفق عليه ولا يتعرض له كطوله مثلاً أو قصره أو نحو ذلك، ومنه ما قد يختلف فيه النظر كالشاعرية والكتابة، حينئذٍ يتعين الثاني دون الأول. فإذا قلت: مَا زَيْدٌ. توجه النفي إلى صفته لا إلى ذاته، لماذا؟ لأن نفي الذوات يمتنع نفيها، وإنما ينفى صفاتها، لأن الذي يمتنع نفيه يعني: لا يوجد، أن لا يوجد ولذلك نقول مثلاً إذا قيل: لا زَيْدٌ فِي الدَّارِ وَلا عَمْرٌو. يعني: وجود زيد وليس المراد ليس بزيد وإنما وجود زيد، وحينئذٍ لا نزاع في طوله وقصره ونحوهما من الصفات لأنه متفق عليه عمرو ثابت تراه طويلاً، والأصل في الناس يتفقون على أن الطويل طويل وعلى أن القصير قصير لا يختلفون، قد يقع اختلاف باعتبار الناظر، وإنما النزاع في كونه شاعرًا أو كاتبًا حينئذٍ تناولهما النفي، ما زيد المقصود به الكتابة أو الشاعرية. ثم إذا قال: إِلا شَاعِرٌ. جاء التخصيص والقصر حينئذٍ قوله: إِلا شَاعِرٌ. إذا كان المقابل بقصره هنا الموصوف على الصفة في كون عمرو مثلاً شاعر وهو ليس بشاعر، وإنما أردت قصر الموصوف على هذا الوصف. فإذا قلت: مَا زَيْدٌ شَاعِرٌ أَوْ كَاتِبٌ حينئذٍ قلت: إِلا شَاعِرٌ. حصل التخصيص بكون زيدًا شاعرًا لا غير كما في الآية السابقة {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} إذًا النزاع في كونه شاعرًا أو كاتبًا تناولهما النفيّ، فإذا قيل: إلا شاعر. جاء القصر. إذًا الصفة التي جاءت بعد إلا مع مقابلها هي التي دخل عليها النفي. يعني: النفي ما زيد لم يدخل على الذات لما عرفنا لم يدخل على الصفات المتفق عليها وإنما دخل على الصفات المتنازع فيها، فلما جاءت إلا بالتنصيص على إحدى الصفات حصل القصر وجاء القصر. هذا في قصر الموصوف على الصفة.