قالوا: كقوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] اشتهر هذا المثال عند البيانيين سألوا عن الهلال يبدوا دقيقًا ثم يتزايد حتى يستوي ثم ينقص حتى يعود كما بدأ، فأي فائدةٍ تحت ذلك، فأجيب ببيان حكمة ذلك وهي أنه معرفة المواقيت والحلول والآجال، يعني: ليس لكم أن تسألوا عن دقته وغيره، ورُوِيَ أنهم لم يسألوا عن سبب زيادة الهلال ونقضانه بل عن سبب خلقه، والله أعلم.
الثاني وأشار إليه بقوله: (وَالْتِفَاتٍ دَائِر). يعني: دائرٍ بين التكلم والخطاب والغيبة التفات دائر، دائر بين ماذا؟ بين التَّكَلُّمِ والخطاب والغيبة. المشهور عند الجمهور أن الالتفات هو التعبير عن معنًى بطريقٍ من الطرق الثلاثة بعد التعبير عنه بطريقٍ آخر منها، يعني: خاصٌ بهذه الثلاثة، يتكلم عن الغيبة ثم ينتقل مباشرة إلى الخطاب، أو العكس بالعكس، فالانتقال من الغيبة إلى التكلم، ومن التكلم إلى الخطاب، وهذا يسمى ماذا؟ يسمى التفاتًا لأنه على خلاف مقتضى الظاهر.
مثال الالتفات من التكلم إلى الخطاب كقوله تعالى: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22]. {أَعْبُدُ} {تُرْجَعُونَ}، الأصل وإليه أرجع هذا الأصل {أَعْبُدُ} أرجع، {أَعْبُدُ} ترجع، إذًا هذا إلى الخطاب والأصل وإليه أرجع، ومن التكلم إلى الغيبة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 1، 2] أين الالتفات؟ ... {أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، {إِنَّا} وهذا تكلم من التكلم إلى الغيبة، أين الغيبة؟ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} لأن الاسم الظاهر عندهم من الغيبة، تقول: زيدٌ قائمٌ، زيدٌ غائب هذا ليس، لإنه إما خطاب وإما هو وإما أنا، إما هذا أو ذاك، واحدٌ من الثلاثة، فإذا قلت: زيدٌ قائمٌ. هذه عبارة عن الغيبة فالاسم الظاهر نوعٌ من أنواع التعبير عن الغائب، فإذا قال: {إِنَّا}. هذا متكلم، ثم قال: {فَصَلِّ} الأصل يقول: لِي لكن قال {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} غيبةٌ لأنه اسم ظاهر.
ومن الخطاب إلى الغيبة حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بكم هذا الأصل، لكن قال: {وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22]. هذا التفاتٌ من الخطاب إلى الغيبة.
ومن الغيبة إلى التكلم {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ} [فاطر: 9].
ومن الغيبة إلى الخطاب {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4] الفاتحة الآيات الثلاثة الأول {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 2، 4] هذه كلها ثلاث آيات غيبة لأنه بالاسم الظاهر {إِيَّاكَ} انتقال لأن الأصل إياه نعبد وهذا الأصل، لكن خرج عن مقتضى الظاهر لنكتةٍ.