والالتفاتُ مأخوذٍ من التفات، التفات الإنسان من يمينه إلى شماله وبالعكس، ووجه التسمية فيه ظاهر وهو من محاسن الكلام، ووجه حسنه ما ذكره الزمخشري هو أن الكلم إذا نقل من أسلوبٍ إلى أسلوبٍ كان ذلك أحسن تطريةً لنشاط السامع وأكثر إيقاظًا للإصغاء إليه من إجراءه على أسلوبٍ واحد، يعني: الذي يستمع بعقل إذا انتقل من خطاب إلى غيبة، ومن غيبة ينشط، أما الذي لا يدري فهو لا يدري.

ومن خلاف الظاهر التعبير عن المستقبل بلفظٍ الماضي هذا لا بد من ذكره، التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي، والعكس كذلك، يعني: الأصل في المعنى الماضي الحدث الذي وقع في الزمن الماضي أن يعبر عنه بالزمن الماضي قد يعبر عنه بالمستقبل لنكتة.

ومنه ماضٍ عن مضارعٍ وضع ... لكون محققًا نحو فزع

إنما يدل على تحقق وقوعه ويجعل ما هو للواقع كالواقع {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ} [النمل: 87]، {وَيَوْمَ يُنفَخُ} على بابه لا إشكال فيه لأن النفخ لم يقع بعد {فَفَزِعَ} ما فزعوا بعد، لأن فزع يدل على ماذا؟

يدل على حدثٍ وقع في الزمن الماضي، إذًا الفزع وقع، وهو لم يقع، حينئذٍ نقول: استعمل الماضي مرادًا به المستقل للدلالة على تحققه.

منه كذلك {أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ} [الأعراف: 50] بعد ما نادوْا سينادي {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ} [الأعراف: 48] كذلك، جعل المتوقع الذي لا بد من وقوعه بمنزلة الواقع.

إذًا (وَقَدْ عَلَى خِلاَفِ الظَّاهِرِ يَأْتِي كَالأُولَى) هذه بفتح الهمزة وسكون الواو، (وَالْتِفَاتٍ دَائِر) وبهذا انتهيا من أحوال المسند إليه، وبحثه طويل جدًا، والله أعلم.

وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015