المسألة الرابعة: فيما يتعلق بالنعيم عموماً: وهو أن الله عز وجل اختص عباده المؤمنين بنعيم زائد عن نعيم الجنة، وزائد عن نوع الأفعال التي يفعلها تجاه الخلق جميعاً، من ذلك الرؤية الخاصة، ومن ذلك الزيارة إن ثبتت، ومن ذلك التكليم الخاص الذي فيه إنعام وإحسان؛ لأن التكليم العام وتكليم مناقشة الحساب لا يكون فيه إنعام، بل في الغالب أن العبد يكون أمام ربه خائفاً وجلاً، لكن التكليم الخاص للمؤمنين فيه مزيد إكرام.
وهذه الأمور كلها مرتبطة بقدرة الله عز وجل ومشيئته وإرادته، بمعنى أنه لا ينبغي لأحد أن يسأل: كيف يرى المؤمنون ربهم، وكيف يكلم الله عباده في القيامة؟ فهذا سؤال لا يجوز أن ينشأ أصلاً، فضلاً عن الجواب عليه، وهذه قاعدة عامة في جميع مسائل العقيدة الغيبية، لا يسأل عنها بكيف، وإذا سأل سائل جاهل أعلمناه بأن هذا السؤال لا يجوز.
وفي حجب الكفار عن ربهم قال أهل العلم: إن الكفار محجوبون عن الله بعد العلم، بل بعضهم استدل بقوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] على الرؤية العامة، فقال: إنه بعد أن أطمعهم في رؤيته احتجب عنهم، فالرؤية الأولى لا يستفيدون منها؛ لأنهم رأوا ربهم في المحشر في هول وفي فزائع وشدائد يوم القيامة، ثم إنهم رأوا ربهم وهم وجلون خائفون، فما كانوا تمتعوا بالرؤية ولا استمتعوا بها، بل كانت رؤيتهم رؤية المنكسر الحسير الذي لا يستفيد من هذه الرؤية، لكنهم طمعوا بعد ذلك برؤية فاحتجب الله عنهم، على نحو ما ورد في ظاهر الآية، فالآية ليس فيها دلالة على نفي الرؤية العامة، بل العكس هو الصحيح، ومع ذلك فإن بعض أهل العلم قال: إنهم محجوبون عن الرؤية البصرية، الذين يقولون أن رؤية الناس في المحشر لربهم يوم القيامة رؤية قلبية، يقولون: النفي هنا للرؤية البصرية، لكن -كما قلت- الظاهر وما ذكره كثير من أهل العلم أن الله عز وجل احتجب عنهم نوعين من الاحتجاب: نوع عن نوع الرؤية التي يراه بها المؤمنون، ونوع آخر وهو الاحتجاب بعد الطمع في الرؤية حينما رأوا ربهم في المحشر كما ورد في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري وحديث أبي هريرة الطويل.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن صفات الله تعالى أنه فعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور، أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، خلق الخلق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، قال الله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].
وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49].
وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:2].
وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22].
وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125].
وروى ابن عمر أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، فقال جبريل: صدقت) انفرد مسلم بإخراجه].