قوله: (ويكلمهم ويكلمونه) هذه مسألة ثالثة، وهي مسألة التكليم.
وهذه فيها إثبات أن الله عز وجل يتكلم بمشيئته، وأن كلامه سبحانه يكون متى شاء، تكلم في الدنيا وكلم بعض خلقه، ويتكلم يوم القيامة فيكلم الناس جميعاً، وينادي سبحانه بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد، وأنه أيضاً يكلم كل إنسان بمفرده، ويناقشه الحساب.
فتكليم الله عز وجل لعباده أمر ثابت قطعاً، وأنه يتكلم عز وجل متى شاء.
قوله: (ويكلمونه) هذا أمر معلوم، ويقصد بذلك يوم القيامة، فإنه ورد في النصوص القاطعة أن العباد يكلمونه ويكلمهم، وأن هناك نوعين من التكليم: تكليم عام لجميع العباد يكلمونه ويكلمهم، وتكليم خاص وهو تكليم المؤمنين لربهم في الجنة يوم القيامة، وهو تكليم فيه تنعم وسرور وغبطة.
ثم أورد الآية: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، وهي في إثبات الرؤية قطعاً، لأن السلف فسروها بذلك، وأجمعوا على تفسيرها به.
وما ورد عن بعض السلف من تفسير آخر فإنما هو نوع تفسير باللوازم، لا يخرج عن التفسير القاطع أن المقصود بها الرؤية.
وكذلك الآية التي بعدها، {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، هي صريحة في إثبات الرؤية من حيث إنها دلت على أن الكافرين يحجبون عن ربهم، نسأل الله العافية والسلامة.
وهذا دليل قاطع على أن هناك فئة لا يحجبون عن ربهم، فإذا كان الكافرون يحجبون عن ربهم، فهناك فئة أخرى وهم المؤمنون لا يحجبون عن ربهم؛ لأن الله عز وجل ذكر هذه الآية على سبيل الوعيد للكافرين، فدل دلالة قاطعة على أن هناك ما يطمع به الخلق ويعتبرونه من النعيم ويرجونه، وهو الرؤية لله عز وجل، فينقطع هذا الرجاء عن الكافرين جزاء لهم على كفرهم، ويبقى بالضرورة لفئة أخرى وهم المؤمنون جزاء لهم على إحسانهم، وتفضلاً من الله عز وجل وإحساناً، لأنه إذا احتجب عن الكافرين فلا بد أن يراه المؤمنون، لذلك قال السلف: لو لم يكن المؤمنون يرونه، لما صار لاحتجابه عن الكافرين معنى، ولا صار لتهديدهم بالاحتجاب أي معنى.