Q رجل يجد من نفسه حباً للعلم الشرعي وقدرة على طلبه، وهو مع ذلك متخصص دراسياً في علم اللغة والآداب وله في ذلك نفس طويل خاصة فيما يتعلق بالآداب الأجنبية، فبم تنصحه وهو لا يستطيع التوفيق بينهما؟
صلى الله عليه وسلم إن شاء الله أنه يستطيع، والحقيقة أن هذه المسألة من المسائل التي تحتاج إلى علاج، وهي تعتبر مرضاً من أمراض المثقفين وأمراض كثير من شبابنا، وهذا المرض هو أن بعضهم قد تلجئه الحياة وطلب العلم في أول حياته إلى أن يسلك مسلكاً في طلب غير العلم الشرعي ويفاجأ أنه تخصص في هذا العلم وتبحر، لكنه بعيد عن العلم الشرعي، فيكون عنده إذا كبر شيء من القلق، وأقول: يحق له ذلك، مع أن الناس تحتاج إلى شيء من التوازن في دراسة هذه الظاهرة، ذلك أن الأمة بحاجة إلى سائر العلوم، فالذي يسلك الأدب تحتاج إليه الأمة في جانب والذي يسلك التاريخ تحتاجه الأمة في جانب والذي يسلك علم الاجتماع تحتاجه الأمة في جانب، والذي يسلك الطب تحتاجه الأمة في جانب، لكن لا يكون ذلك على حساب الإخلال بالجوانب الأخرى الضرورية، فليس من الضروري أن يكون كل شخص طالب علم شرعي، وليس من الضروري أن كل من سلك مسلكاً في العلوم الإنسانية أو العلوم الطبيعية أن يكون متبحراً في العلم الشرعي، لكن هناك قدر ضروري وهناك قدر نحتاجه فيما بعد.
إذا استوفى الإنسان العلم الذي يخصه ووجد عنده فراغاً يجب أن يرجع إلى العلم الشرعي ولا يستمر على ما هو عليه، بل يخدم الأمة في العلم الذي تخصص به، ويرجع إلى طلب العلم الشرعي والتبحر فيه في نفس الوقت، هذا شيء.
والشيء الآخر: لو قدر أنه لا يتمكن من أن يتبحر فلابد من الإيمان بالقدر الضروري من العلوم الشرعية؛ ليصبح طالب علم، فأنتم ترون أن كثيراً من الشباب يعجبه أن يكون مثقفاً، والمثقف هو الذي يلم من كل علم بطرف.
فإذا تكلم الناس في أي علم من العلوم تكون عنده معلومات أساسية تجعله يشارك ولو بعض المشاركة فيتباهى بأنه مثقف يستطيع أن يشارك في كل علم.
إذاً: من كان عنده هذه النزعة فليعرف أنه ينبغي أن يتفقه في العلم الشرعي وأن يكون عنده علم بالأساسيات، ما دام عنده وقت وعنده استعداد حتى ولو مضى من عمره سنون أو تورط بتخصص قد لا يعجبه فيما بعد.
ومع ذلك أقول: على الذين تخصصوا في التخصصات غير الشرعية وأفادوا فيه الأمة ألا يندموا فإن الله سينفع بهم وعليهم أن يحتسبوا، أقول هذا لأني لاحظت بعض الشباب قد ينكص ويتراجع عن العلم الذي حصله ويندم عليه ويترك المجال الذي سلكه، ويترك فراغاً فيه فيرجع إلى العلم الشرعي من الصفر ويتخلى عن تخصصه الذي استعد له من قبل، وهذا لا يجوز بل ربما يكون من قبيل الفرار من الزحف.
إنسان مثلاً: تعمق في الأدب وصار مدرساً في الأدب، ثم بدا له أن يترك الأدب لمجرد أنه ما سلك الطريق الذي يناسبه فيما بعد أو الذي يرضي نزعته الدينية، هذا غير صحيح، فليبق على ما هو عليه ويرجع إلى العلم الشرعي يتعلم منه ما يناسبه والذي يستطيعه أو يتبحر فيه، فيجمع بين حسنتين.
إذاً: الأمر يحتاج إلى شيء من التوازن في النظرة، فلا يفرط في العلوم الشرعية ولا يفرط في العلم الذي حصله وأفاد فيه الأمة أو يمكن أن يفيدها فيها بدعوى أنه يريد أن يستأنف العلم الشرعي من جديد، وهذه الأمور كما قلت لا يمكن أن يحكم بها مثلي إلا باجتهاد عارض، لأنها قد تحتاج إلى دراسة متأنية وعلاج من محاضرات وندوات ومؤتمرات وكتب تطرح فيها الآراء وتناقش بين طلاب العلم.