قوله: (وترك التعرض لمعناه) قصده هنا ترك التعرض لمعنى الكيفية، يعني التعرض للصورة والشبه والخيالات والتحديد والتشخيص واللون والشكل والبعد والمسافة هذه الأشياء يجب أن نبعدها عن الأذهان في حق الله عز وجل، هذا معنى التعرض لمعناه، أي المعنى الغيبي الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، أما المعنى بمعنى الحقيقة فإنه لا بد من إثباتها لأن الله عز وجل لا يكلمنا إلا بحق، والقرآن حق، وكلام الله حق، وهو بلسان عربي مبين، يعني مبيّن، فلو كانت ألفاظاً ليس لها معان لما كان مبيناً ولا مبيّناً ولا يليق ذلك بكلام الله عز وجل.
ثم قال: (ونرد علمه إلى قائله)، وذلك إذا بقي الإشكال في الذهن، كإنسان أشكل عليه لفظ من أسماء الله وصفاته وأفعاله فتأمل ولم يجد جواباً، ولم يعرف ما يقوله أهل العلم، فإنه يبقى على الأصل فيقول: الله أعلم بمراده، وأن الله عز وجل متصف بهذا الوصف ومسمى بهذا الاسم، لكن المعنى أرده إلى قائله، يعني: أسلّم بأني عجزت أن أثبت هذا المعنى، فعلى هذا أسلّم بأنه حق وصحيح، وأنه يليق بجلال الله عز وجل حتى ولو لم أدرك معناه، هذا من جانب من جانب آخر: رد العلم إلى القائل حتى عند الراسخين في العلم الذين يفهمون معاني أسماء الله وصفاته يردون العلم إلى عالمها من جانب الكيفية وذلك شامل لكل أصول الدين الغيبية، خاصة ما يتعلق بأسماء الله، وصفاته، وأفعاله، والقدر، وأخبار الغيب فالأصل فيها كلها أن ترد إلى عالمها، فإن كنا عرفنا حقائقها فلنؤمن بحقائقها، وإن لم نُدرك الحقائق نؤمن بأنها حق كما يليق، وأن الله ما أخبرنا إلا بشيء واقع ليس خيالاً ولا توهماً ولا مجرد تصورات تقريبية كما يقول الفلاسفة، إنما هي حق على مراد الله عز وجل.
وقوله: (ونجعل عهدته على ناقله)، هذا فيما يتعلق باللفظ المنقول، فإذا كان منقولاً في القرآن فلا يحتاج إلى أن نقول عهدته على ناقله؛ لأنه متواتر، والقرآن كلام الله؛ لكن هذا يتعلق بالسنة، فالسنة قد يرد في أسماء الله وصفاته بعض الأحاديث الحسنة والضعيفة، أو آثار لم نجزم بثبوتها فنترك العهدة على الناقل، أما ما صح من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يقال عهدته على ناقله، إنما العهدة على الأمة أن تؤمن به، فمن ثبت عنده شيء من الدين صارت عهدته عليه إن كان من الأمور العملية عمل بما يستطيعه، وإن كان من الأمور الاعتقادية وجب اعتقاده، ولا يسع أحداً أن يتخلص أو يتبرأ أو يتنصل مما ثبت عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.