وهناك قوم لا يتعبدون لله بهذه الصفات، فقد أعمى الله أبصارهم وبصيرتهم عن هذا الحق، فلم يعرفوا طعماً للإيمان بصفات الله جل في علاه.
وإذا قال قائل: إذا قلتم: إن الله يحب، فإن المحبة هي ميل القلب، إذاً: لله قلب يميل.
فنرد عليه بأن نقول له: قولك: إن لربنا قلباً هذا خطأ فادح؛ لأنه لم يرد في الشرع أن لله قلباً، ولكن ورد أن الله يحب ولكنا لا نعرف الكيفية، أما القلب فلم يرد في الشرع فيه إثبات ولا نفي، والقاعدة التي قعدناها في الأسماء والصفات: أن الصفات التي لم يرد فيها نص بإثبات ولا نفي فإننا نتوقف؛ لأننا لو أثبتنا فربما نكون تقولنا على الله بغير علم، وتكون هي منفية عن الله، ولو أننا نفيناها فربما تكون مثبتة لله ونحن لا نعلم، فنتوقف ولا نتكلم فيها، وهذا هو الصحيح الراجح.
ثم نقول: أنت أيها المبتدع الذي شبهت الخالق بالمخلوق إن ربنا يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، فصفة الله لا تشبه صفة المخلوق.
وأيضاً: نرد بالقاعدة التي ذكرناها سابقاً، وهي: أن الاشتراك في الاسم لا يستلزم التساوي في المسمى، فالله يحب وزيد يحب، وحب الله لا يماثل حب زيد؛ لأن الله جل وعلا يحب وهذه صفة كمال وجلال وبهاء وعظمة، وإن زيداً يحب وهذه صفة تليق بعجزه ونقصه وفقره، أما الله فهذه الصفة تليق بجلاله وكماله وعظمته سبحانه جل في علاه.
وجاء الأشاعرة فقالوا: نحن ننفر من أهل البدعة والضلالة، فالذين ينفون نقول لهم: نحن نثبت، والذين يشبهون نقول لهم: نحن لا نشبه، نحن نقول: إن الله يحب، لكن ليس كما تفهمون، فمعنى قول الله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة:222]، أي: يريد أن يثيب التوابين، ففسروا المحبة بالإثابة.
وهؤلاء الأشاعرة ما أكثرهم في زماننا هذا، وما أكثر الذين ينكرون هذه الصفات كما قال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء:46]، ويقولون: نحن نذب عن أهل السنة والجماعة، ونرد على المعتزلة، نحن نثبت الصفة، لكن ليس كما تفهمون أنتم، بل المحبة هنا بمعنى: إرادة الثواب، فكيف نرد عليهم؟
صلى الله عليه وسلم نقول: أنتم خالفتم ظاهر القرآن، فإن ظاهر القرآن يثبت المحبة لله، وخالفتم ظاهر السنة، وخالفتم الإجماع.
وأيضاً: لو قلت بقولكم هذا فهناك لوازم باطلة، وهذه اللوازم الباطلة: أن الله خاطبنا بما لا نعقل، وهذا حرام؛ لأن الله قال: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195].
وأيضاً: من اللوازم الباطلة: أن هذا اتهام صريح للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يتم البلاغ والبيان؛ إذ لو كانت المحبة معناها إرادة الثواب لقال النبي لـ أبي بكر: يا أبا بكر! اعلم أن محبة الله معناها إرادة الثواب، اعلم يا أبا ذر! أن محبة الله إرادة الثواب، اعلم يا أبا هريرة، يا من تنقل عني الحديث! أن المحبة معناها إرادة الثواب، فلما لم يبين هذا علمنا أن هذا ليس بصحيح؛ لأنه لو كان صحيحاً لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالغرض المقصود: أننا نرد عليهم بهذه اللوازم الباطلة ثم نقول: نحن نوافقكم بأن الله جل في علاه إذا أحب عبداً فهذا دليل على أنه أراد أن يثيبه، وأنتم هنا قد فسرتم الصفة بلازمها، ونحن نثبت الصفة ثم نثبت اللازم، فنثبت لله المحبة التي لا تشبه محبة المخلوق، ونثبت لازم الصفة، وهو أن الله إذا أحب محمداً أثابه، وإذا أحب الله المؤمن أثابه وأراد إثابته، وسيكون في جواره {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55].