وكذلك ينادي في السماء جبريل كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا أحب عبداً نادى في السماء: أن يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء -هذا العبد- ثم يوضع له القبول في الأرض).
فالله إذا أحب عبداً حبب فيه جبريل، ثم حبب فيه الملائكة، ثم كتب له القبول في الأرض، وهناك إشكال عظيم لا بد من حله، ألا وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين يقول: (رأيت النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد)، فأين القبول لهؤلاء الأنبياء؟ فنحن نتفق على أن كل نبي محبوب إلى الله، فإذا قلنا: إن الله جل في علاه يحب أنبياءه، ويحبب الملائكة في الأنبياء، ويكتب لهم القبول، فأين القبول وقد جاء في الحديث أنه رأى النبي وليس معه أحد، والنبي ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان؟ وأين ما قاله رسول الله: (ثم يوضع له القبول في الأرض)، فيأتي النبي ولا قبول له، إذ ليس معه إلا رجل أو رجلان.
صلى الله عليه وسلم أن نقول: هذا القبول في الحديث مقيد بأهل الصلاح، يعني: يكتب له القبول في الأرض عند أهل الصلاح وليس في كل الأرض، وإلا فإن عادل إمام كثير من الناس يحبونه ولكن من الذي يحب عادل إمام هذا؟! الجواب: يحبه الفسقة أشباهه.
إذاً: القبول المذكور في الحديث مقيد بقبول الصالحين المتقين فقط.
فهنيئاً لمن أحبه الله، فإذا رأيت الصالحين يحبونك فهذه إشارة من الله لك أنه قد كتبك ممن يحبهم في السماء، وقد كتب لك القبول عند جبريل، ثم عند الملائكة.
وإذا رأيت الفسقة هم الذين يحبونك والصالحين يبغضونك فاعلم أن هذه إشارة من الله أنك مبغوض عند أهل السماء والعياذ بالله، وأما التقي فهو محبوب لا محالة بين يدي الله وعند الملائكة: (إذا أحب الله عبداً نادى في السماء: أن يا جبريل! إني أحب فلاناً)، يذكره باسمه واسم أبيه، وتخيل عظمة أن يذكرك الله باسمك ويتكلم باسمك: (إني أحب فلاناً).
وهذا الأمر هو الذي أبكى أبا المنذر أبي بن كعب رضي الله عنه وأرضاه فرحاً عندما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة البينة فقال: (يا أبي! إن الله أمرني أن أقرأ عليك هذه السورة)، انظروا إلى فقه الصحابة الذين يعلمون أن المكانة العظمى حقاً عند الله، وأن المحبة بحق هي ما عند الله جل في علاه: (فقال: يا رسول الله! أمرك ربك أن تقرأ علي هذه السورة؟ قال: أمرني ربي أن أقرأ عليك هذه السورة.
قال: أوسماني باسمي؟!)، انظروا إلى فقه الصحابي الجليل أي: هل الله تكلم باسمي؟! قال: (أوسماني باسمي؟! قال: سماك باسمك) فبكى أبي رضي الله عنه وأرضاه.
يا للشرف! ويا للعظمة! عندما تعلم أن الله يذكرك باسمك.
إن المرأة عندما تعلم أن زوجها يحبها ويتحدث باسمها عند أهله، كم هي الفرحة التي تدخل عليها والسرور! وعندما تعلم أخي الكريم! أن معظماً، أو كبيراً، أو وزيراً، أو أميراً يكون قد أحبك، وقد تحدث باسمك في المجالس كيف ستكون فرحتك، وكيف تكون سعادتك في قلبك؟ فكيف يكون الأمر إذا كان الله رب السماوات والأرض هو الذي أحبك وذكرك باسمك لجبريل وقال: (ني أحبه) ويأمره أن يحبه، ثم يكتب له القبول في الأرض، فهنيئاً للذين أحبهم الله جل في علاه، وهم الذين ساروا على نهجه وعلى دربه وعلى الصراط المستقيم.