إن العبد إذا علم أن ربه يحب فسيسارع إلى أسباب المحبة عندما يعلم ثواب هذه المحبة، فإن لازم محبة الله للعبد أن يثيبه، فالله إذا أحب التقي أثابه وجعله في جواره، بل جعله مع نبيه صلى الله عليه وسلم.
وإن الله جل في علاه قال في الحديث القدسي: (حقت محبتي للمتحابين في)، فينظر المؤمن الأسباب التي تستجلب محبة الله فيسارع فيها.
وليس منا من لا يخطئ، وليس منا من لا يتعدى على حدود الله، وليس منا من لم يتجرأ على الله، بل كل منا يخطئ ليلاً نهاراً، وكل منا يتجرأ على حدود الله، فيعصي أو يغتاب أو يكذب أو ينم، وكل منا يفعل ذلك، لكن خير هؤلاء البشر هم الذين يئوبون ويتوبون إلى الله، والله يحب التوابين، فإذا علم العبد أن استجلاب محبة الله بالتوبة، فإنه لن تمر عليه ليلة ولن تنام عينه إلا وهو يتوب إلى الله جل في علاه من كل صغيرة وكبيرة، ومن كل غفلة، ومن كل عبادة لم يأت بها على الوجه الذي أمر الله به، فيتوب إلى الله ويستحضر في توبته أنه إذا تاب استجلب محبة الله جل في علاه؛ لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة:222].
وأيضاً فليسأل كل واحد منا نفسه: عندما يتوضأ، أو يغتسل من الجنابة، أو يغتسل للجمعة استحباباً على قول من قال بالاستحباب، هل يستحضر في نفسه أن الله يحب منه ذلك وأن الله جل في علاه يحبه إذا أكثر من التطهر؟ فإن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، فعندما يتطهر الإنسان للصلاة فلا يتوضأ وهو يستحضر نية الصلاة فقط، أو رفع الحدث ليصلي، والأصل عندما يتوضأ أن يبدأ أولاً باستحضار أن الله يحب منه ذلك، فيتطهر محبة لله واستجلاباً لمحبة الله جل في علاه.
وإذا عرفت أن الأسباب التي تستجلب محبة الله لك منها: أن تكون من المحسنين، وأن تكون من المتقين، وأنت تعلم أن مراتب الدين: إسلام، ثم إيمان، ثم إحسان، فسترتقي من الإسلام إلى الإيمان فتتبع الفرض بالنفل، ثم بعد ذلك تتقن الفرض والنفل، ثم تزيد من النوافل المطلقة حتى ترتقي إلى مرتبة الإحسان، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]، فتفوز بمحبة الله.
وأيضاً: إن الله يحب المتحابين في جلاله، فأنت إذا علمت ذلك فستجتهد أن تعمق الأخوة في الله بينك وبين أخيك؛ لتفوز بمحبة الله تعالى لك.
والأخوة نوعان: إخوة عامة، وأخوة خاصة.
أما الأخوة العامة: فهي التي نراها الآن بين أيدينا: الأخ الملتحي يسلم على الأخ الملتحي، والأخت المجلببة تسلم على الأخت المجلببة، تراها في المسجد فتهش وتبش لها، والرجل يفعل ذلك مع أخيه أيضاً، ولعل البعض يخفي في قلبه ما يضر أخاه ولا يعلمه إلا الله جل في علاه، ومع ذلك يسلم عليه ويهش ويبش في وجهه، هذه هي الأخوة العامة: أن يربطك به سلام، أو إذا أرادك في منفعة.
أما الأخوة الخاصة: فأكاد أجزم بأن الأخوة الخاصة قد عزت في هذا الزمان، وهي: أن تقدم أخاك على نفسك، وهذه بعيدة، ومن الأخوة الخاصة: أن تعلم أنك وهو تتسارعان إلى الله فتتنافس معه بعد أن تدله على الخير، ولا تحقد ولا تحسد ولا تكتم فضله عن الناس، بل تنشر فضله بين الناس.
ومن الأخوة الخاصة: أن تتعامل مع أخيك بحيث إنه لو أدخل يده في جبيك فأخذ ما في جيبك لا تسله كم أخذ أو كم ترك، بل ما أخذ أحب إليك مما ترك، وهذه كما قلت: عزيزة جداً في هذا الزمان.
والأخوة الخاصة: هي التي تحرك القلوب وتحرك الأبدان.
والأخوة الخاصة: هي التي يأخذ الأخ بيد أخيه إلى أن يرتقي به إلى الفردوس الأعلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، كما كان يفعل أبو بكر، ويفعل عمر، ويفعل عثمان، ويفعل علي، وما زالت تندثر حتى انقطعت في زماننا هذا، ونسأل الله جل وعلا أن يجعلنا نأخذ بأسباب المحبة الخاصة.
فالمحبة الخاصة تستجلب محبة الله جل في علاه، والذي يُوجد في قلب الإخوة المؤمنين والصالحين، والأخوات الفضليات اللاتي يسارعن إلى محبة الله الرغبة في استجلاب محبة الله جل في علاه: معرفة ثواب هذه المحبة، فإن العبد إذا أحبه الله فهذا عجيب كل العجب، كما قال ابن القيم ولنعم ما قال، قال كلاماً ينقش على الصدور، ويكتب بماء الذهب، قال: ليس العجب أن يحب العبد ربه؛ فإن السبل كلها متفتحة لمحبة الله، نعمة الله توجد في قلبك محبة الله، وعندما تعرف فضل الله وقوة الله وجبروت الله جل في علاه وجمال الله وبهاء الله وعظمة الله وتعظم هذه المعرفة في قلبك فتحب الله لذلك، فإن ربكم يُحَب لجماله وجلاله وكماله وعظمته وعطائه ومنه وكرمه وقوته وجبروته، فليس من العجب أن يحب العبد ربه، فإن الرب يمتلك القلوب بما يغذي العباد من نعمه التي تنزل عليهم تترى، لكن العجب كل العجب أن يحب الرب العبدَ وهو المخلوق له، وهو المقدور له، وهو الذي يكيفه كيف شاء، وهو الذي إذا أراد له شيئاً قال له كن فيكون، فالرب إذ يحب العبد فهذه منة ليس بعدها منة، فمن الذي يحبه الله جل في علاه؟ ومن الذي سعد وسدد ووفق إلى أن يحبه الله جل في علاه؟ إن الله تعالى إذا أحب الله عبداً أغدق عليه الخير.