من الأمور التي نتكلم عليها عند هذه القصة العظيمة: أن الإسراء والمعراج بالجسد والروح؛ لأن العلماء من أهل السنة والجماعة اختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: إن الإسراء كان في المنام فقط، ومنهم من قال: بالروح دون الجسد وهذا لازم المنام، والصحيح الراجح الذي عليه أهل التحقيق من أهل العلم أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بالجسد وبالروح، وهذا ثابت بالأثر وبالنظر: أما الأثر: فقد قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] والباء هنا للمصاحبة والإلصاق، وباء المصاحبة معناها: بكلية الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: بروحه وجسده، وكذا جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن جبريل أتاه بالبراق، وركب البراق -حقيقة- وأن البراق كان يضع رجله حيث ينتهي بصره) فغير متعذر أن يصل إلى هناك بدقيقة أو دقيقتين وأسرع من ذلك وعرج به إلى السماء.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (أن جبريل جاءه وشق صدره، وأخرج قلبه ووضعه في طست من ذهب فغسله بماء زمزم ونزع منه حظ الشيطان) وهذه حدثت للنبي صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة في الصغر، ومرة عندما عرج به وملئ صدره علماً وحكمة، وهذه كما قلت على الحقيقة، فيكون الإسراء بالجسد وبالروح، هذا من الأثر.
أما من النظر: فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لصناديد قريش: قد رأيت في منامي أني تجولت في نواحي بيت المقدس، فلن تقوم هذه الحرب الشعواء على النبي صلى الله عليه وسلم، بل سيقولون: رجل رأى رؤيا وهم يقبلون الرؤيا؛ لأنه لو تحدث أي متحدث عن الرؤيا فسيقبلونها، فهذه الحرب الشديدة على النبي صلى الله عليه وسلم تدل على أنهم كانوا يستيقنون أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: (أسري بي) يؤكد أن الإسراء كان بالجسد وبالروح، ولم يكن بالروح فقط.
إذاً: الإسراء كان بالجسد وبالروح.