كذلك من الفوائد: أن الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل، ونستنبط ذلك مما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عندما يأتي يقص هذه القصة لا بد أن التيار العارم سيكون عليه، وهذه نبراس لكل من يتمسك بالحق على قدم راسخة، فإن الأمة كلها تقف أمامه وهو بقدم راسخ يقول: لا، هذا هو الحق.
إذا تبنيت مسألة ووجدت أن الدليل يلوح لك في الأفق من كلام الله وكلام الرسول، فلو وقف الخط الخلفي كله أمامك، بل لو وقفت الأمة بأسرها أمامك فلا تتزعزع، فشخصية طالب العلم لا يمكن أن تتزعزع إن كان راسخاً في العلم، أما إن كان مهزوزاً أو إمعة يتبع كل ناعق فهذا الذي لا ترجو منه الخير، أما الذي يثبت بقدم راسخة مع العلم والدليل الذي يتبناه فهذا الممدوح.
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن المسألة من الله جل في علاه، ويعلم أنه سيكذب بل ويتهم بالاتهامات الباطلة، وهذا فيه البلاء الشديد؛ ولذلك الله جل وعلا يسليه ويقول: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام:33].
إذاً: بهذه القصة تبين أن الأنبياء أشد بلاء؛ لأن الهمج الرعاع سيواجهونه مواجهة دامية، وهو يقف صامداً على ما هو عليه من الحق؛ لأن الله جل وعلا أمره بذلك، وهو الذي أوحى إليه بذلك.