أما قدر المعايب: فهو أن الله جل وعلا يبتلي العبد بأن يفتح له باب المعصية على مصراعيه؛ لأنه أراد ذلك؛ لأن الله جل وعلا قال: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل:36]، حقت عليه الضلالة لأنه لا يريد إلا المعصية؛ ولذلك فإن الله جل وعلا لا يفسح مجال المعصية لعبد إلا وهو في قلبه مستيقن ويعزم العزم الأكيد على فعل هذه المعصية.
وقد تقع المعاصي من الصالحين حتى يرفع الله قدرهم بالذل والانكسار والبكاء والثواب، وهذا حال العارفين بالله، أما الذي يقع في المعصية وقد عزم عليها عزماً أكيداً فهذا الذي يفتح الله له باب المعصية.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5]، ولذلك قال الله تعالى في الحديث القدسي، (فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)، إذاً: الله جل في علاه فتح له هذا الباب؛ لأنه لا يستحق إلا هذا الباب، إذاً: قدر المعائب هو قدر الذنوب والمعاصي والتعدي على حدود الله جل في علاه، ولك فيه عبادتان أيضاً، العبادة الأولى: أن تعتقد أن الله قدر لك ذلك بتقصيرك وبفعلك، ولذلك قال الله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:79].
وقال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41]، وقال تعالى: {وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، إذاً: أول التعبد لله جل في علاه بقدر المعائب: أن تقر بأن هذا قدر من الله جل في علاه، وهو الذي فتح ذلك المجال لك.
فالله جل وعلا هو الذي جعل للعاصي إرادة، وخلق فيه إرادة المعصية؛ لأنه لما زاغ أزاغ الله قلبه، فيعرف أولاً أن هذا قدر الله، وأن هذا من نفسه.
العبادة الثانية: أن يراجع نفسه منكسراً متذللاً خاضعاً لله جل في علاه، وأن يتوب ويئوب، ولسان حاله يقول: وعجلت إليك رب لترضى.
وبعد هذه التوبة لك أن تحتج بالقدر على الذنب، فلو أن رجلاً مثلاً شرب الخمر، ثم رجع فندم فبكى فتاب فآب إلى ربه جل في علاه، فجاء رجل بعد توبته يعيره ويقول: يا شارب الخمر، فإنه يقول: قد قدر الله علي ذلك، واحفظ نفسك لعل الله يقدر عليك ما قدر الله علي؛ لأن من عير أخاه بذنب لا بد أن يرد عليه، ووردت الآثار بذلك وإن كان فيها ضعف، لكن ما من أحد يعير أحداً بذنب إلا وسيبتليه الله بهذا الذنب والعياذ بالله جزاء وفاقاً وأجراً طباقاً.