وأما قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] فهذا فيه إثبات صفة العلو لله عز وجل، وقوله تعالى: {فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] السماء يحتمل أحد معنيين: المعنى الأول: السقف المحفوظ، والمعنى الثاني: أنه العلو؛ لأن السماء في لغة العرب: اسم جنس للعالي، فعلى المعنى الأول، وهو أن المقصود بالسماء: السقف المحفوظ، يكون قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] أي: من على السماء، فـ (في) بمعنى: (على) .
وعلى المعنى الثاني، وهو أن السماء اسم لجنس ما علا، تكون (في) على بابها، وليست بمعنى (على) ، على أننا نعتقد أن الله جل وعلا محيط بكل شيء، ليس فيه شيء من خلقه، ولا هو في شيء من خلقه جل وعلا، بل هو العالي الذي لا شيء فوقه، فهو سبحانه عال على كل شيء، مستوٍ على عرشه بائن عن خلقه، فليس فيه شيء من خلقه، ولا هو في شيء من خلقه، تعالى الله عما يظن الجاهلون ويقولون علواً كبيراً، وهذا الذي ذكرناه في قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16] يجري في كل ما شابه هذه الصيغة.
فقوله رحمه الله: (وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك)) (.
(في السماء) فيها وجهان: الوجه الأول: أن المراد بالسماء السقف المحفوظ، والوجه الثاني: أن السماء المراد بها جنس ما علا، تقول: نزل علينا المطر من السماء، يعني: من جهة العلو؛ لأن المطر لا ينزل من السقف المحفوظ، وإنما ينزل من السحاب، كقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج:15] يعني: يمدد بحبل إلى جهة العلو، فالسماء تطلق على جنس ما علا في لغة العرب، وتطلق أيضاً على السقف المحفوظ الذي جعله الله سبحانه وتعالى طباقاً.
ففي كل الموارد التي يرد فيها الخبر بأن الله جل وعلا في السماء، إما أن تقول: السقف المحفوظ، فتكون (في) بمعنى (على) وإما أن تقول: جهة العلو، فتكون (في) ظرفية على بابها.
قال رحمه الله: (وقال للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعتقها فإنها مؤمنة) ، هذا الحديث في صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم في قصة ضرب جاريته، حيث سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، ثم سألها: أين الله؟ قالت: في السماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعتقها فإنها مؤمنة) يقول: (رواه مالك بن أنس ومسلم وغيرهما من الأئمة) .