ثم قال: (له الأسماء الحسنى، والصفات العلى) أي: ما تقدم من كونه سبحانه وتعالى ليس له شبيه، وليس له صاحبة ولا ولد، وأنه لا تمثله العقول، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير؛ لا يعني أنه لا يوصف، ولا يعني أنه ليس له أسماء ولا صفات، بل له جل وعلا الأسماء والصفات.
ولذلك بعد أن ذكر ما تقدم من نفي المثل والند والشبيه، وأنه سبحانه وتعالى لا تمثله العقول، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير، قال: (له الأسماء الحسنى، والصفات العلى) ، فذكر أن له أسماء وصفات.
والأسماء الحسنى، أي: البالغة المنتهى في الحسن، فلا حسن فوق أسمائه، وقد انتهت أسماؤه إلى الحسن جل وعلا، فجمعت كمال المعنى وجمال اللفظ.
قال: (والصفات العلى) فله جل وعلا الصفات العليا التي لا شيء فوقها.
( {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:5-7] ) ، ذكر المؤلف رحمه الله هذه الآيات لبيان شيء من أسماء الله وصفاته التي يثبتها أهل السنة والجماعة.
وثبوت أسماء الله عز وجل جاء من أدلة كثيرة، من ذلك قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف:180] ، وثبوت الصفات العلى له سبحانه جاء من أدلة كثيرة، ومنها قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:60] ، المثل معناه: الصفة، وقوله تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [الروم:27] أي: له الصفة العليا.
قال رحمه الله: (أحاط بكل شيء علماً) ؛ أي: فما من شيء من الخلق إلا وقد أحاط به علم الرب جل وعلا، فلا خروج لشيء عن علم الله، وعلم الله أحاط بالماضي والمستقبل، وأحاط بالممكن والمستحيل، ولذلك قال العلماء: صفة العلم هي أعظم وأوسع الصفات تعلقاً؛ فهي تتعلق بكل شيء: تتعلق بالماضي والمستقبل، وبالممكن والواجب والمستحيل، وتتعلق بما كان وبما لم يكن؛ فالله جل وعلا أحاط علمه بكل شيء، فلا شيء يخرج عن علم الله عز وجل.
قال رحمه الله: (وقهر كل مخلوق عزة وحكماً) ؛ وهذا فيه كمال صفاته، مع ما تقدم من الصفات، فهو جل وعلا العزيز الحكيم، لا خروج لأحد عن عزته، ولا خروج لأحد عن حكمه، (ووسع كل شيء رحمة وعلماً، كما قال سبحانه: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه:110] ) .