بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين،وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول الإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى: [الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، له الأسماء الحسنى والصفات العلى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] ، {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:6-7] ، أحاط بكل شيء علماً، وقهر كل مخلوق عزة وحكماً، ووسع كل شيء رحمة وعلماً: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110] موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم] .
سنقرأ فيه إن شاء الله تعالى هذه العقيدة المباركة التي ألفها الإمام الموفق عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله، وهذا المتن المختصر من متون الاعتقاد، هو متن (لمعة الاعتقاد) وهو كتاب مختصر في العقيدة ألفه مؤلفه رحمه الله، وضمَّنه مباحث فيما يتعلق بالإيمان بالله عز وجل، والإيمان بكتبه، والإيمان برسله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر، وهذا هو أغلب ما ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب.
وقد جرت سنة أهل العلم من أهل السنة والجماعة فيما يؤلفونه من مؤلفات في الاعتقاد أنهم ينسجون مؤلفاتهم ويرتبون كتبهم التي يكتبونها في مسائل الاعتقاد على ضوء ما جاء في حديث جبريل في ذكر أصول الإيمان؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وعلى وآله وسلم عندما سأله جبريل عن الإيمان قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) .
فإذا تأملت في المؤلفات والمتون والعقائد التي كتبها أهل العلم فستجدها منسوجة على نحو هذه الأصول، فإن العلماء يكتبون في الإيمان بالله، ثم في الإيمان بالملائكة، ثم في الإيمان بالكتب، ثم في الإيمان بالرسل، ثم في الإيمان باليوم الآخر، ثم في الإيمان بالقدر خيره وشره.
وقد يركزون في مؤلفاتهم على نوع من أنواع الإيمان؛ نتيجةً لشدة الحاجة إلى بيان ما يتعلق بذلك الأصل، أو جواباً على شبهة شاعت في هذا الأصل، لكنهم من حيث الأصل إذا تناولوا مسائل الاعتقاد فإنهم يأتون ببيان أصول الإيمان التي جاءت في حديث جبريل.
ولا غرابة في هذا؛ فإن مباحث الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة مبنية على شرح الأصول الستة: الإيمان بالله والإيمان بالكتب والإيمان بالرسل والإيمان بالملائكة والإيمان باليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.
ولكن لما كان بعض هذه الأصول ليس فيه خلاف كبير، ولم تنتشر فيه المخالفات؛ قلَّ كلام أهل العلم فيه في هذه المتون وفي هذه المؤلفات التي ألفت في العقائد.
فمثلاً: الإيمان بالملائكة لا يتكلم عنه المؤلفون في كتب العقائد كلاماً موسعاً، بل يختصرونه ويقتصرون على جمل فيه، وبعضهم قد لا يذكره بالكلية؛ بناءً على وضوحه وظهوره.
وهكذا كل المؤلفات في العقيدة، الغالب أنها جاءت استجابة للحاجة إلى التأليف؛ إما لبيان وتجلية منهج أهل السنة والجماعة وما كان عليه السلف الصالح، ليتميز عن طريق أهل البدع، وإما جاءت في الجواب والرد على الشبه التي يثيرها هذا السبيل -سبيل أهل السنة والجماعة- فيما يتعلق بمسائل الاعتقاد.
وهذه العقيدة هي من العقائد المشهورة المعروفة عند أهل العلم، وهي من تأليف الإمام عبد الله بن محمد بن قدامة، وهو من أئمة فقهاء الحنابلة وعلمائهم، وله مؤلفات مشكورة مشهورة في الفقه، وأما هذا المؤلف فهو مما يتعلق بالاعتقاد، كما أنه رحمه الله كتب عدة كتابات في مسائل الاعتقاد في غير هذا المؤلف، فمما كتبه في ذلك واشتهر عنه: كتاب (ذم التأويل) فإنه من الكتب المشهورة التي يستفاد منها في رد وإبطال شبه المنحرفين عن السنة والجماعة في مسائل الاعتقاد؛ لأنه ألفه في بيان ذم التأويل، وذكر أدلة ذلك من الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة.
كذلك له رسالة في (العلو) ، وكذلك له كتاب باسم (تحريم النظر في كتب أهل الأهواء) .