أما الشفاعة التي اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره فهي أنواع: النوع الأول: هو شفاعته في فصل القضاء، وهي الشفاعة العظمى التي يشفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم عند الله جل وعلا في فصل القضاء وإراحة الناس من الموقف، وقد جاء خبرها في الصحيحين وغيرهما من المسانيد والسنن، وهو أمر مجمع عليه، ولا خلاف فيه بين أهل الإسلام.
النوع الثاني: شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول الجنة لأهل الجنة، كما في حديث أنس عند مسلم: (أنا أول شفيع في الجنة) ، وقد جاء في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: أن أهل الإيمان يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة في دخول الجنة، فيعتذر ويحيلهم إلى نوح، ونوح يحيلهم إلى إبراهيم، وإبراهيم يحيلهم إلى موسى، وموسى يحيلهم إلى عيسى، وعيسى يحيلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة التي تكون في أرض المحشر في فصل القضاء.
على أن بعض العلماء يقول: هذه هي تلك؛ لأنه بعد ذكر هذه الشفاعة جاء ذكر الصراط، وما يكون من أحوال الناس في مرورهم عليه.
لكن مما لا شك فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يشفع لأهل الجنة في دخولها، ويدل على ذلك ما في صحيح مسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك) ؛ فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم شفيع لأهل الجنة في دخول الجنة.
هذا ثاني ما اختص به صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الشفاعات.
النوع الثالث: شفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف الله عنه من العذاب، كما في الصحيحين من حديث العباس بن عبد المطلب: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! عمك أبو طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك، ما أغنيت عنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) ، والضحضاح: هو الماء الرقيق على وجه الأرض الذي لا عمق له، والأصل في الضحضاح ما لا قعر له، وقد جاء في بيان ذلك: (أنه في ضحضاح من نار إلى كعبيه) ، فهو أهون أهل النار عذاباً ممن يخلد فيها، وهذا التخفيف لا يفيده من حيث الواقع؛ فإنه: (عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا إكرام للنبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف العذاب وتهوينه؛ فهذا النوع من الشفاعة خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً هذه الأنواع الثلاثة هي مما اختص به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.