هذه الأشراط كلها علامات تدل على الساعة وتبين وتوضح قربها، والواجب على المؤمن أن يستشعر قرب الساعة لا بمجرد آية أو آيتين، بل بمجموع هذه الآيات، ومنها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر الله عز وجل بقرب الساعة ودنوها فقال: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] وقال: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1] وقوله تعالى: {أَزِفَتْ الآزِفَةُ} [النجم:57] ، وما إلى ذلك من الآيات التي أخبر الله عز وجل بقرب الحساب وقرب قيام الساعة التي يقوم الناس فيها لرب العالمين.
فالواجب على المؤمن ألا ينتظر آية معينة يستدل بها على قرب الساعة، بل الآيات كثيرة منتشرة منها ما حصل ومنها ما سيحصل، ومنها ما هو واقع وحاصل في دنيا الناس، ومن ذلك: ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين بقوله: (لا تقوم الساعة حتى يقل العلم، ويظهر الجهل، ويفشو الزنا، وتشرب الخمر) ، فهذه علامات قائمة في دنيا الناس اليوم، فإن العلم قليل والجهل منتشر، والزنا فاشٍ، وإن كان لا يلزم من فشوه أن يكون فاشياً في كل بلاد العالم، لكن ظهور الزنا فيما نسمعه وينقل إلينا من ظهوره في بلاد الكفار أمر واضح وجلي، وكذلك شرب الخمر استهان به كثير من الناس من المسلمين ومن غيرهم.
والمراد: أن العلامات منها ما يعايشه الناس، ومنها ما قد جاء وفرغ منه، ومنها ما هو مستقبل، أي: يستقبله الناس ولم يأت بعد، فالواجب على المؤمن أن يستفيد من هذه الأشراط لا في حسبها وعدها أو وقعت أو لم تقع، وإنما في الاستعداد لليوم الآخر؛ لأن الله عز وجل إنما ذكرها في مساق التنبيه ولفت النظر إلى قرب قيام الساعة الذي يوجب للإنسان العمل الصالح، ويوجب للإنسان استدراك ما مضى وما فات من صالح العمل، ولذا قال الله عز وجل: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد:18] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: (بادروا بالأعمال ستاً: الدجال الدابة الدخان طلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة-يعني: يوم القيامة-وخاصة أحدكم) يعني: موته، فهذه الست التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هي من علامات الساعة، فينبغي للإنسان أن يبادرها، ومنها ما هو من علامات الساعة الكبرى، وهي الأربع الأولى التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالواجب على المسلم أن يبادر، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال) ، فالفائدة المرجوة من معرفة أشراط الساعة هي المبادرة، لا ما يهتم به كثير من الناس اليوم من عدها، وهل انحسر الفرات عن جبل من ذهب أو لم ينحسر؟ وهل قد حصل خسف في المشرق وخسف في المغرب؟ وما إلى ذلك من خلاف ونزاع في تحديد بعض أشراط الساعة، وإنما المقصود والمراد هو أن يتهيأ لها أهل الإسلام، وأن يستعدوا لذلك اليوم.