قال رحمه الله: (خلق الله الخلق وأفعالهم) : خلق الله الخلق، أي: الأعيان، وأفعالهم: أي: ما يصدر عنهم من أعمال وأقوال وسائر ما يعد من كسبهم سواء كان ظاهراً أو مستتراً، فكله خلق الله جل وعلا كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] ، وسيأتي دليل ذلك في كلام المؤلف رحمه الله.
قال: (وقدر أرزاقهم وآجالهم) : أرزاقهم، أي: أرزاق الخلق، وآجالهم: أي: أعمارهم، وتقدير الأرزاق والآجال هو على مراحل ومراتب، فالتقدير الكلي السابق هو الذي جرى به القلم لما قال الله جل وعلا له: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة، كما في حديث عبادة وغيره، فهذا تقدير سابق، وجاء أيضاً في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أن الله قدر مقادير الأشياء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة) .
وهناك أيضاً التقدير الذي يكون في الأرحام، وهو ما جاء به الخبر عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبعث ملكاً فيكتب أجل الإنسان وعمله ورزقه، وشقي أو سعيد) جاء هذا في حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث حذيفة وغيرهم.
وقد اتفق سلف الأمة على أن الشقي من شقي في بطن أمه، أي: أن الشقاء يكتب قبل الخلق، وقد أشار حديث ابن مسعود الذي في صحيح مسلم إلى مراحل وأطوار الخلق، وما يكون من مجيء الملك لكتابة الأربع الكلمات التي تكون قبل خلق الإنسان.
قال رحمه الله: (يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته) : وهذا يدل على أن ما يكون من هداية المهتدين ومن ضلال الضالين، إنما هو بمشيئة الله عز وجل، ومشيئته ليست مجردة عن حكمته بل كل ما شاءه فلحكمة، فهو الحكيم الخبير سبحانه وبحمده.