مُرَادِهَا وَهَوَاهَا) بحيث إنه لا تكون لها إرادة إلا ما يكون بتحقيق مراد الله منها، فالمحب الصادق هو الذي يعبد الله -كما قال المؤلِّف- على مراد الله منه، لا على مراده هو من الله.

وهذه العبارة فيها ما فيها؛ لأنَّ العبدَ -كما ذكرتُ- يعبدُ ربَّه على وِفْقِ ما أراد الله منه، وهذا لا يمنع من أن يكون العبدُ يريد من ربِّه أموراً كثيرة؛ من مغفرة الذنوب، ودخول الجنة، والنجاة من النار، إلى غير ذلك.

والله تعالى قد أثنى على أنبيائه ورسله مع أنهم يريدون منه الرحمة، ويريدون منه الجنة والنجاة من النار كما قال تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا} [السجدة: 16]، وقال: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 90].

ولكن المذموم أن يعبد العبدُ ربَّه لما يريده منه من أمر الدنيا، وهذا هو الذي يسقط عليه ما استشهد به المؤلِّف من قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة} [الحج:11]، فهو يعبد الله على طَرَفٍ من الدِّين، غير متمَكِّنٍ منه، فهو يعبد الله ما استقامت دنياه، فإن أصابتهُ فتنةٌ أو مصيبةٌ أو فقرٌ أو حاجةٌ انقلب على وجهه.

فمن يعبد الله ليعطيه سعادة الدنيا ولا يريد الآخرة، فهذا هو الذي ذَمَّه الله بقوله: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا} فهو يريد المال والولد والجاه والشرف وأنواع المتاع، {وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ - وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:200 - 201]، وقال تعالى: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة} [النساء:134].

فلم يَذُمَّ الله الذين يريدون الآخرة إنما ذَمَّ الَّذِين يريدون الدنيا {تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة} [الأنفال:67].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015